الحال الثانية: أن كثيرا من الناس إذا عرف الشرك وأبغضه وتركه، لا يفطن لما يريد الله من قلبه من إجلاله وإعظامه وهيبته; فذكر هذه الحال: ﴿وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ ١.
الحال الثالثة: إن قدرنا أنه ظن وجود الشرك والفعل منه فلا بد من تصريحه منه بأنه من هذه الطائفة; ولو لم يقض هذا الغرض إلا بالهرب عن بلاد كثير من الطواغيت الذين لا يبلغون الغاية في العداوة، حتى يصرح بأنه من هذه الطائفة المحاربة لهم.
الحال الرابعة: إن قدرنا أنه ظن وجود هذه الثلاث، فقد لا يبلغ الجد في العمل بالدين؛ والجد والصدق هو إقامة الوجه للدين.
الحال الخامسة: إن قدرنا أنه ظن وجود الحالات الأربع، فلا بد له من مذهب ينتسب إليه، فأمر أن يكون مذهبه الحنيفية، وترك كل مذهب سواها ولو كان صحيحا، ففي الحنيفية عنه غنية.
الحال السادسة: إن قدرنا أنه ظن وجود الحالات الخمس، فلا بد أن يتبرأ من المشركي، ن فلا يكثر سوادهم.
الحال السابعة: إن قدرنا أنه ظن وجود الحالات الست، فقد يدعو من قلبه نبيا أو غيره لشيء من مقاصده، ولو كان دينا يظن أنه إن نطق بذلك من غير قلبه لأجل كذا وكذا خصوصا عند الخوف أنه لا يدخل في هذا الحال.
الحال الثامنة: إن ظن سلامته من ذلك كله، ولكن غيره من إخوانه فعله خوفا أو لغرض من الأغراض، هل يصدق الله أن هذا ولو كان أصلح الناس قد صار من الظالمين; أو يقول: كيف أكفره وهو يحب الدين ويبغض الشرك؟ وما أعز من يتخلص من هذا، بل ما أعز من يفهمه وإن لم يعمل به، بل ما أعز من لا يظنه جنونا! والله أعلم.

١ سورة يونس آية: ١٠٤.


الصفحة التالية
Icon