هل يجتمع في قلب عبد التصديق بهذه الأبيات والتصديق بقوله: ﴿يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ ١ وقوله: "يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا" ٢ لا والله، لا والله; لا والله إلا كما يجتمع في قلبه أن موسى صادق، وأن فرعون صادق، وأن محمدا صادق على الحق، وأن أبا جهل صادق على الحق.
لا والله ما استويا ولن يتلاقيا حتى تشيب مفارق الغربان. فمن عرف هذه المسألة وعرف البردة، ومن فتن بها عرف غربة الإسلام، وعرف أن العداوة واستحلال دمائنا وأموالنا ونسائا، ليس عند التكفير والقتال، بل هم الذين بدؤونا بالتكفير والقتال، بل عند قوله: ﴿فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً ٣ وعند قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ ٤ وقوله ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ﴾ ٥
فهذا بعض المعاني في قوله: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ ٦ بإجماع المفسرين كلهم. وقد فسرها الله سبحانه في سورة ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ﴾ ٧ كما قدمت لك.
واعلم أرشدك الله أن الحق لا يتبين إلا بالباطل كما قيل:
... وبضدها تتبين الأشياء...
فتأمل ما ذكرت لك ساعة بعد ساعة، ويوما بعد يوم وشهرا بعد شهر،
٢ البخاري: الوصايا (٢٧٥٣)، ومسلم: الإيمان (٢٠٦)، والنسائي: الوصايا (٣٦٤٦، ٣٦٤٧)، وأحمد (٢/٤٤٨)، والدارمي: الرقاق (٢٧٣٢).
٣ سورة الجن آية: ١٨.
٤ سورة الإسراء آية: ٥٧.
٥ سورة الرعد آية: ١٤.
٦ سورة الفاتحة آية: ٤.
٧ سورة الانفطار آية: ١.