مما يضرهم بربوبيته، وقهرهم وأمرهم ونهاهم، وصَرَّفهم كما يشاء بملكه، واستعبدهم بالهيبة ١ الجامعة لصفات الكمال كلها.
وأما المستعاذ منه فهو الوسواس; وهو الخفي الإلقاء في النفس، إما بصوت خفي لا يسمعه إلا من أُلقي إليه، وإما بصوت كما يوسوس الشيطان إلى العبد.
وأما الخناس فهو الذي يخنس ٢ ويتأخر ويختفي، وأصل الخنوس الرجوع إلى وراء، وهذان وصفان لموصوف محذوف وهو الشيطان، وذلك أن العبد إذا غفل جثم على قلبه وبذل فيه الوساوس التي هي أصل ٣ الشر; فإذا ذكر العبدُ ربه واستعاذ به، خنس.
قال قتادة: الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب، فإذا ذكر العبد ربه خنس، ويقال: رأسه كرأس الحية يضعه على ثمرة ٤ القلب يمنّيه ويحدثه، فإذا ذكر الله خنس; وجاء بناؤه على الفَعَّال الذي يتكرر منه، فإنه كلما ذكر الله انخنس، وإذا غفل عاد.
وقوله: ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ ٥ يعني أن الوسواس نوعان: إنس وجن؛ فإن الوسوسة الإلقاء الخفي، لكن إلقاء الإنس بواسطة الأذن والجني لا يحتاج إليها، ونظير اشتراكهما في الوسوسة اشتراكهما في الوحي الشيطاني
٢ في س "يخنس ويختفي" فقط.
٣ هنا بياض في س.
٤ في س "ثغرة".
٥ سورة هود آية: ١١٩.