عليه وسلم
بين الأمرين: تغيير الفطرة بالتهويد وغيره، وتغيير الخلقة بالجدع، وهما اللذان أخبر إبليس أنه لا بد أن يغيرهما. ثم قال تعالى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ﴾ فوعده ما يصل إلى قلب الإنسان، نحو: سيطول عمرك، وتنال من الدنيا وتعلو، والدنيا دول وستكون لك، ويطول أمله، ويعده الحسنى على شركه ومعاصيه، ويمنيه الأماني الكاذبة على اختلاف وجوهها، فالوعد في الخير، والتمنية في الطلب والإرادة.
ومنها أن معرفة هذه القصة تزرع في قلب المؤمن حب الله تعالى الذي هو أعظم النعم على الإطلاق، وذلك من صنعه سبحانه بالإنسان وتشريفه وتفضيله إياه على الملائكة، وفعله بإبليس ما فعل لما أبى أن يسجد له، وخلقه إياه بيده ونفخه فيه من روحه; وإسكانه جنته، وقد خاطب الله سبحانه بني إسرائيل الموجودين في زمن النبي ﷺ بما فعل مع آبائهم، وذكرهم بذلك واستدعاهم به، وذكرهم أنه فعله بهم كقوله: ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ ١ وغير ذلك، ذكر النعم التي هي أصل الشكر الذي هو الدين، لأن شكرها مبني على معرفتها وذكرها; فمعرفة النعم من الشكر بل هي أم الشكر، كما في الحديث ٢: "من أسدي إليه معروف فذكره فقد شكره، فإن كتم فقد كفره" هذا في الأشياء التي تصدر من بني آدم، فكيف بنعم المنعم على الحقيقة والكمال؟

١سورة البقرة آية: ٥٠.
٢ روي بمعناه عن ابن عباس، ورواه أحمد في مسنده بمعناه عن عائشة.


الصفحة التالية
Icon