ويتبين من ذلك أن الله عز وجل حفظ القرآن على الأرض بواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أصحابه رضوان الله عليهم والتابعين وكافة المؤمنين بعد ذلك، ولعل من أبرز دواعي حفظه – غير تكفل الله عز وجل بحفظه – ما يلي:
١. مجيء القرآن الكريم معجزاً متميزاً في نظمه، فريداً في أسلوبه، لا يطاوله كلام البلغاء، ولا تدنو منه فصاحة الفصحاء، وكان الصحابة ينتظرونه بشغف ويتمنون أن يتلقوه فور نزوله، كما كان أعداء الرسول ﷺ يحرصون على سماعه، إما للبحث عن نقط ضعف فيه تعينهم على مغالبته أو مهاجمته، وإما لإشباع حاجتهم الملحة في التذوق الأدبي، ويمكننا أن نتصور إذن مدى الاهتمام الذي كان يثيره القرآن في نفوس المؤمنين والكافرين على السواء١.
٢. تشريع قراءة القرآن الكريم في الصلاة فرضاً كانت أم نفلاً، سراً أم جهراً، مما جعلهم يحرصون على حفظ القرآن الكريم لأداء هذه العبادة. أخرج مسلم في صحيحه عن حذيفة رضي الله عنه قال: صليت مع النبي ﷺ ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلى بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلاً، إذا مَرَّ بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مَرّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع …"٢
٢ الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل. صحيح مسلم ج١ – ص٥٣٦.