المطلب الثالث: المكلف بالجمع:
ذكر أبو بكر بن أبي داود عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما استحر القتل بالقراء يومئذ فَرِقَ أبو بكر على القرآن أن يضيع، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه١.
ويبدو من هذا الأثر أن المكلف بجمع المصاحف في عهد أبي بكر اثنان، وهما: عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت.
غير أن جمهور العلماء على أن المكلف بالجمع هو زيد بن ثابت وحده، أما عمر رضي الله عنه فلم يثبت أنه كان مكلفاً بالجمع، والأثر المذكور سابقاً منقطع، فلا يحتج به، وإن سُلّم فيكون المراد: الإشراف على الجمع، والنظر في الشهادة والكتابة.
وزيد هذا، هو:
ابن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي، ولد في المدينة، ونشأ بمكة، وقتل أبوه وهو ابن ست سنين، وهاجر مع النبي ﷺ وهو ابن (١١) سنة، تعلم السريانية في سبعة عشر يوماً٢، وحفظ القرآن الكريم كله عن ظهر قلب في حياة الرسول ﷺ وكان من كتاب الوحي لرسول الله ﷺ مشهوراً بالصدق والأمانة، وتفقه في الدين حتى أصبح رأساً بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض على عهد عمر وعثمان وعلي رضي الله عنه، وكان يعد من

١ كتاب المصاحف: ١/١٦٨-١٦٩، إسناده منقطع، لأن عروة لم يلق أبا بكر.
٢ انظر: كتاب المصاحف لابن أبي داود: ١/١٥٦، ت: د/ محب الدين واعظ.


الصفحة التالية
Icon