ملاحظة:
مما مر بنا من أدلة مذهب الجمهور تظهر قوة قولهم وترجيحه، ولكن يجب علينا أن نفرق في هذا المقام بين كون الرسم توقيفياً، وبين وجوب الالتزام بالرسم العثماني.
فالأدلة التي ذكرت في قول الجمهور لا يصرح شيء منها بكون الرسم توقيفياً، لعدم وجود دليل صريح من الكتاب أو السنة على ذلك.
أما وجوب الالتزام بالرسم العثماني، فنعم، وأقوى دليل عليه، هو إجماع الصحابة –أولاً-، ثم إجماع الأمة الإسلامية منذ العصور المتقدمة.
كما أنه ينبغي أن يفرق هنا بين الالتزام بالرسم العثماني لكتابة المصاحف الأمهات، وبين كتابة الآيات القرآنية في غير المصاحف.
فبالنسبة لكتابة المصاحف الأمهات: فأرجح في ذلك قول الجمهور.
أما بالنسبة لكتابة الآيات القرآنية المفرقة في غير المصاحف – كالاستشهاد بآية أو بجزء منها في مؤلف أو في رسالة علمية أو في الأجزاء المفرقة التي تطبع لتعليم الناشئة- فينبغي فيها الالتزام بالرسم العثماني، وهو الأحوط للخروج عن الخلاف، ولكن لم يتضح لي وجوب الالتزام بالرسم العثماني فيها١.
العثماني.. نشر في مجلة الدراسات الإسلامية بإسلام آباد باكستان، ع: ٤، م: ٢٩: ١٤١٥هـ.
المطلب السابع: قضية إتقان الكتابة لدى الصحابة:
وبمعنى آخر: هل كان الصحابة يجيدون الخط والكتابة، أو أنهم ارتكبوا أخطاء في كتابة المصحف لعدم إجادتهم صناعة الخط والكتابة؟
ذهب البعض من المتأخرين١ والمعاصرين٢إلى أن الصحابة لم يتقنوا صناعة الخط والكتابة، فمن ثم وقعوا في أخطاء حين كتابة المصاحف.

١ على رأسهم العلامة ابن خلدون، المؤرخ المعروف، انظر قوله في مقدمة تاريخه، ص: ٤١٩.
٢ منهم الأستاذ/ أحمد أمين في كتابه: فجر الإسلام، ص: ١٤٢، حيث قال: وحتى هؤلاء الذين كانوا يكتبون الوحي لم يكونوا مهرة في الكتابة، ولا كتابتهم سائرة على نمط واحد، لا خاضعة لقوانين الإملاء، وسبب ذلك- كما يعلله ابن خلدون ضعفهم في صناعة الخط، وأنهم لم يبلغوا حد الإجادة فيها.


الصفحة التالية
Icon