وقال القاضي أبو بكر الباقلاني١: لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين، ،إنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي ﷺ وإلغاء ما ليس كذلك، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أثبت مع تنزيل، ولا منسوخ تلاوته كتب مع مثبتٍ رسمه ومفروضٍ قراءته وحفظه، خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد٢.
قلت: وفي هذا رد على من يقول بنسخ عثمان للقراءات وجمع الأمة على قراءة قريش.

١ محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم، القاضي أبو بكر الباقلاني، أصولي متكلم، ولد في البصرة سنة: ٣٣٨هـ، وتوفي في بغداد سنة: ٤٠٣هـ، من مؤلفاته: إعجاز القرآن، تهذيب السير: ٢/٢٦٤، الأعلام: ١٧٦.
٢الانتصار.

المطلب الثاني: الأحرف السبعة ومراعاتها في الجمعين:
لقد اتفق العلماء قديماً وحديثاً على أن الصحف التي جمعت في عهد أبي بكر رضي الله عنه كانت مشتملة على الأحرف السبعة، كما اتفقوا على أن زيد بن ثابت رضي الله عنه لم يجمع في تلك الصحف إلا ما تأكد من صحته وعدم نسخ تلاوته.
أما بالنسبة للمصاحف العثمانية، وكونها مشتملة على الأحرف السبعة أم لا؟ فقد اختلف العلماء في المسألة، وذهبوا فيها إلى ثلاثة أقوال:
أ- ذهب البعض إلى أنها لا تشتمل إلا على حرف قريش واستدلوا على ذلك بقول عثمان رضي الله عنه للقرشيين الثلاثة: "إذا اختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم"١.
واحتجوا: بأن الأحرف السبعة نزلت في صدر الإسلام للتيسير على الأمة ورفع الحرج والمشقة عنها في أمر القراءة، ولما ذللت الألسنة ومرنت على لغة قريش أمرت جميع القبائل بالقراءة بلغة قريش، كما أن القراءة باللغات الكثيرة كانت مثار نزاع وخلاف بين المسلمين، لذلك اقتصر عثمان رضي الله عنه على.
١ سبق تخريجه، وممن ذهب إلى ذلك: ابن جرير الطبري، والطحاوي وغيرهما… انظر: منجد المقرئين: ٥٥.


الصفحة التالية
Icon