فمعنى هذه الآية أن الله سيطلع الناس في كل زمان على دلائل وبراهين صدق رسوله، في أن القرآن حق من عند الله، فيؤمن ويسلم من أراد الله هدايته، وتقوم الحجة على من عمي عنها، لأن هذه هي الغاية من بعث الرسل، وإنزال الكتب، وإظهار المعجزات، سواء الحسية أو العلمية أو البلاغية.
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ، وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾. [النمل [٩١ -٩٢].
روى الطبري عن مجاهد أنه قال في قوله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ …﴾ قال: "في أنفسكم والسماء والأرض والرزق"."١"
وقال ابن كثير:" أي الحمد لله الذي لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه والإنذار إليه، لهذا قال تعالى ﴿سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾، كما قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ "٢"
وقال شيخ الإسلام بعد أن بين أن الله تعالى يدل عباده بما يسمعونه ويبصرونه، فالسمع يسمع به العباد آيات الله وبراهينه المتلوة المنزلة على أنبيائه، وفيها دلالات واضحة على صدق رسله، أنهم رسله تعالى.
أما البصر فهو: الطريق العياني، فهو أن يرى العباد من الآيات الأفقية والنفسية، ما يبين لهم أن الوحي الذي بلغته الرسل عن الله حق، كما قال تعالى ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: [٥٤]."٣"
"٢" انظر: تفسير ابن كثير "٣/٣٨٠".
"٣" مجموع الفتاوى "١٤/١٨٩".