إنه لا يمكن بحال من الأحوال كما قلنا لأعلم أهل الأرض أن يأتي بمثل هذا القرآن، وهذه المعلومات، فكيف برجل أمي عاش أربعين سنة بين أهله وعشيرته، لم يخرج من مكة إلا في رحلتين: إلى الشام في التجارة، وذلك قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، لو جمع علم أهل الأرض كلهم في ذلك الزمان ما استطاعوا تحصيل شيء من العلم المذكور في القرآن، أقصد من الناحية العلمية، فضلاً عن غيرها.
ومن المعلوم والمتيقن أنه لا يمكن لأحد أن يتعلم علماً من العلوم إلا ويعرف الناس سعيه إلى ذلك العلم وتردده على ذلك العالم، أو تلك المدرسة، أو تلك الكتب يتعلم منها، فهذا ليس من العيب حتى يخفى، بل هو من الشرف، ولابد من ظهوره، فالعلم لا يتحصل عليه الإنسان بين عشية وضحاها، بل لا بد من إنفاق الأيام والليالي والشهور والسنين فيه.
فمن هو ذا المعلم الذي تعلم منه النبي صلي الله عليه وسلم؟ لاشك أنه لا يوجد له معلم من البشر، ولا يمكن أن يوجد، بل هذا مستحيل تمام الإستحالة، فلم يبق إلا العليم الخبير، بواسطة أمينه جبريل، كما قال تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ [النجم: ٤-٥]، ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِي، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِين، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ [الشعراء: ٩٢-٩٤].
ونختم هذا بقوله تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: ٢٢].
هم كما سبق أن ذكرنا إنما يريدون عدم الإيمان، ولا يريدون الإيمان، ويريدون الدنيا وما يهوون، فليس لهم سبيل إلا التكذيب، أو دعوى التكذيب.
فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. ونسأل الله تعالى المزيد من الهداية والثبات عليه إلى أن نلقاه تبارك وتعالى وتقدس.


الصفحة التالية
Icon