ولكن الجرجاني ذكر شرطاً للمزية والتفرد وهو أن المزية الناقضة للعادة يبلغ الأمر فيها إلى حيث يبهر ويقهر، حتى تنقطع الأطماع عن المعارضة، وتخرس الألسن عن دعوى المداناة، وحتى لا تحدِّثَ نفس ُُ صاحبها بأن يَتَحَدَّى، ولا يَجُول في خلَدٍ أن الإتيان بمثلها يمكن، وحتى يكون يَأْسُهُم منه وإحساسهم بالعجز عنه في بعضه مثل ذلك في كله.
ثم يقول الجرجاني نافيا أن يكون لأحد كائنا من كان كلُّ هذا:
"وليت شعري من هذا الذي سَلَّم لهم أنه كان في وقت من الأوقات من بلغ أمرُه في المزية وفى العلو على أهل زمانه هذا المبلغَ وانتهى إلى هذا الحد".
ثم ساق القصة الشهيرة بين امرئ القيس وعلقمةَ الفحلِ والتي كان فيها الحكم بين الشاعرين أُمَّ جندب امْرأةَ امرئ القيس والتي فضلت علقمةَ في الشعر على زوجها.
وأردف الرجل برهانا بعد آخر إبطالا لهذا القول، ومن براهينه أن للشعراء طبقات، وبَيّنَ أنهم في كل طبقة منها أكفاء نظراء. ولم ينفرد واحد بمزية تخصه، فسقطت بذلك مقولة المزية.
هل العجز هو الإفحام؟
يقول الشيخ محمد عبده (١) "يقول واهم إن الإعجاز حجة على من عَجَزَ فإن العجز هي حجةُ الإفحام وإلزامُ الخصم، وقد يلتزم الخصم ببعض المسَلَّمَات عنده فَيُفْحَم ويعجز عن الجواب فتلزمه الحجة، ولكن ليس ذلك بملزم لغيره، فمن الممكن أن لا يُسَلِّم غيرُه بما سلمه، فلا يُفْحِمُه الدليلُ، بل يجد إلى إبطاله أقرب سبيل"

(١) رسالة التوحيد للإمام محمد عبده صـ١٢٧ – دار إحياء العلوم بيروت طـ/١٣٩٦هـ / ١٩٧٦م.


الصفحة التالية
Icon