المبحث الأول: دواعي بيان الإعجاز
اتخذ مظهر الولاء لهذا الدين والدفاع عن كتابه صورتين: دَفْع بالسنان ودفاع باللسان. فمن ادعى النبوة كمسيلمة لاقى في حروب الردة ما لاقى، ومن اعتلاه شيطانه واعترته وساوسه وطعن في القرآن، أصابه ما أصاب سلفه، أو أرغمت الحجة أنفه.
وفى صدر الإسلام كان الطبع العربي لم يزل على سلامة سليقته في الإعراب، إذ لم يكن بحاجة إلى وسائل يُتَفَهَّمُ بها القرآن الكريم، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يدركون معانيَ الألفاظ وما وراءها بفطرتهم العربية الأصيلة، فإذا أشكل عليهم شيء من وراء ذلك سألوا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم كانت رقعة حياتهم ضيقة لا تزخر أو تتزاحم فيها التقاليد والأفكار والمشكلات الطارئة فكانت معارفهم في أذهانهم، وكان مرجعهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كبار الصحابة مِنْ بَعْدِه، فلم يكن عندهم شيء مما أطلق عليه فيما بعد اسمُ "علوم القرآن" (١).
ومع أن العرب بصحة عربيتهم قد أدركوا إعجاز القرآن في نفوسهم سواء منهم من آمن ومن لم يؤمن إلا أن مادة " ع، ج، ز" لم ترد بهذا المعنى، بل اشتهرت لدى المسلمين ألفاظ أخرى كالآية والبرهان والسلطان (٢).
مع هذا لم يَخْلُ القرن الأول من تعبيرات مفادها أن للقرآن من غلبة اللسان وسلطان البيان ما ليس لغيره من سائر الكلام.

(١) من روائع القرآن صـ٦٦.
(٢) فكرة إعحاز القرآن صـ٨.


الصفحة التالية
Icon