تعالى معجز لكن لما قاله الله تعالى وجعله كلاما له أصاره معجزا، ومَنَع مِنْ مماثلته، وهذا برهانُُ كافٍ لا يحتاج إلى غيره والحمد لله"
وعقب الرافعي (١) بقوله: "بل هو فوق الكفاية وأكثر من أن يكون كافيا، لأنه لما قاله ابن حزم وجعله رَأيَاً لَهُ أصاره كافيا لا يحتاج إلى غيره.! وهل يراد من إثبات الإعجاز للقرآن إلا إثبات أنه كلام الله تعالى".
والخطابي بعد أن عد الصرفة مذهبَ قومٍ قال (٢) :"وليس ينظر في المعجزة إلى عظم حجم ما يأتي به النبي ﷺ ولا إلى فخامة منظره، وإنما تعتبر صحتها بأن تكون أمراً خارجاً عن مجارى العادات ناقضا لها، فمهما كانت بهذا الوصف كانت آية دالة على صدق من جاء بها. وهذا أيضا وجه قريب. - أي القول بالصرفة - إلا أن دلالة الآية تشهد بخلافه، وهى قوله تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ (الإسراء: ٨٨) فأشار في ذلك إلى أمرٍ طريقُه التكلف والاجتهاد وسبيله التأهب والاحتشاد. والمعنى في الصرفة التي وصفوها لا يلائم هذه الصفة، فدل على أن المراد غيرها، والله أعلم"
وترى الخطابي قد قرب وجه الصرفة بدءاً ثم أقصاه انتهاء، ثم انتهى إلى أن الوصف الذي حملوه على الصرفة لا يلائم الوصف الوارد في الآية من أنهم إن اجتمعوا واحتشدوا لا يأتون بمثله، لا إن افترقوا فدل على أن المراد من الآية غير ما ذهب إليه القائلون بالصرفة.

(١) تاريخ آداب العرب جـ٢ صـ١٤٦.
(٢) ثلاث رسائل في الإعجاز صـ٢٢، ٢٣.


الصفحة التالية
Icon