الخامس: أن هذا التحدي لم يُقْصَدْ به الإتيان بمثله مطابقا لمعانيه، بل أن يأتوا بما يستطيعون افتراءه واختلاقه، من كل معنى أو غرضٍ مما يعتلج في نفوس البشر.
السادس: أن هذا التحدي للثقلين جميعا إنسهم وجنهم متظاهرين تحد مستمر قائم إلى يوم الدين.
السابع: أن ما في القرآن من مكنون الغيب ومن دقائق التشريع ومن عجائب آيات الله في خلقه، كل ذلك بمعزل عن هذا التحدي المفضي إلى الإعجاز، وإن كان ما فيه من ذلك كله ما يعد دليلا على أنه من عند الله، ولكنه لا يدل على أن نظمه وبيانه مباين لنظم كلام البشر وبيانهم، وأنه بهذه المباينة كلامُ رب العالمين لا كلام بشر مثلهم.
أرأيت كلاما يحمل مكنون الغيب ودقائق التشريع وعجائب الآيات في الخلق يكون لأجل ما يحمل معجزا؟
نعم. إن القرآن حين يقرر الحقائق لا ينزع إلى تحويرها أحدٌ أبدا، وما كان ذلك ليكون لولا أن قائله هو العزيز الحكيم، فكل ما يصدر عن الله تعالى يلازمه دوام التصديق من الكون شاهدا على قدرة الخالق جل وعلا.
لذا كان لزاما أن تطْرَحَ كل الوجوه ما عدا ما تعلق منها بذاتية القرآن كلاماً عربياً، والوجه الذاتي بلا شكٍ لا يفارق الذات أصلا، فالكلام من حيث هو كلام منبعٌ لإعجاز القرآن.


الصفحة التالية
Icon