تآمرهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبع ذلك ما كان بعد الهجرة وإقامة دولة الإسلام في المدينة من خوضهم الحروب ضد الإسلام، وإقدامهم على بذل أموالهم وإراقة دمائهم، وسبي ذراريهم في هذه السبيل، فكيف يقال بعد ذلك إنهم لم ينشطوا إلى المعارضة، وقد بذلوا في بديلها أضعاف أضعاف ما كانوا يبذلونه فيها من جهد لو كانت في مقدورهم.
وأما ثالث هذه الأسباب: وهو تعطيل مواهبهم وسلب قدراتهم فجأة مع توفر الدواعي، وانبعاث النشاط فيرده أنه: لو كان الأمر كذلك لأثر عنهم الاعتذار بهذا التفاوت العلمي بين ما في القرآن وبين ما عندهم، وذلك ليقللوا من شأن القرآن في ذاته، وأنه ما كان إعجازه إلا لصرفهم عنه، ولكن ذلك لم يذكر عنهم أبداً.
فإذا أضفنا إلى ذلك:
١- أن القرآن الكريم بلفظه وعبارته قد راع العرب بتفوق بيانه، وأثار أسلوبه وعبارته إعجابهم، وأعلنوا أنهم ما رأوا مثله شعراً ولا نثراً، ومقتضى ذلك أن إعجاز القرآن لذاته لا لشيء خارج عنه، وإلا لو كان كلاماً كسائر الكلام ما لفت أنظارهم، ولا أخذ بألبابهم.
قال عبد القاهر الجرجانى: (إنه لو لم يكن عجزهم عن معارضة القرآن وعن أن يأتوا بمثله لأنه معجز في نفسه، لكن لأن أدخل عليهم العجز عنه، وصرفت هممهم وخواطرهم عن تأليف كلام مثله، وكان حالهم على الجملة حال من أعدم العلم بشيء قد كان يعلمه، وحيل بينه وبين أمر قد كان يتسع له لكان ينبغي أن لا يتعاظمهم، ولا يكون منهم ما يدل على إكبارهم