وآية آية، ومن ثم كان التحدى فيه أن يأتوا بسورة من مثله مما ينطبق على طويل السور وقصيرها.
وأصدق دليل على هذا الإعجاز موقف مَن تحَّداهم القرآن من فصحاء العرب من هذا التحدى عجزاً واستسلاماً مع حرصهم على تكذيب القرآن، وللقاضى عياض في ذلك عبارات جامعة تذكر جانبا من هذا الموقف في العجز، والاعتراف بإلهية المصدر القرآني- رغم الجحود والكفر-وأمثلة يسيرة تشهد لذلك نذكرها بنصها لتمام الفائدة.
قال رحمه الله تعالى: (فلم يزل ﷺ يقرعهم أشد التقريع، ويوبخهم غاية التوبيخ، ويسفه أحلامهم، ويحط أعلامهم، ويشتت نظامهم، ويذم آلهتهم وإياهم، ويستبيح أرضهم وديارهم وأموالهم، وهم في كل هذا ناكصون عن معارضته، محجمون عن مماثلته، يخادعون أنفسهم بالتشغيب بالتكذيب، والإغراء بالافتراء، وقولهم: إن هذا إلا سحر يؤثر، وسحر مستمر، وإفك افتراه، وأساطير الأولين، والمباهتة والرضى بالدنيئة كقولهم: قلوبنا غلف، وفي أكنة مما تدعونا إليه، وفي آذاننا وقر، ومن بيننا وبينك حجاب، ولا تسمعوا لهذا القرآن والغَوا فيه لعلكم تغلبون، والادعاء مع العجز بقولهم: لو نشاء لقلنا مثل هذا، وقد قال لهم الله "ولن تفعلوا" فما فعلوا ولا قدروا، ومن تعاطى ذلك من سخفائهم كمسيلمة كشف عواره لجميعهم، وسلبهم الله ما ألفوه من فصيح كلامهم، وإلا فلم يخف على أهل الميز منهم أنه ليس من نمط فصاحتهم، ولا جنس بلاغتهم، بل ولّوا عنه مدبرين، وأتوا مذعنين من بين مهتد وبين مفتون، ولهذا لما سمع الوليد بن المغيرة من النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ﴾ (النحل: ٩٠). الآية قال: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، ما يقول هذا بشر، وذكر أبو عبيد