مما عُدّ في أقصى درجاتها، وذلك في الفصلين السابع والثامن من كتابه (إعجاز القرآن).
لقد ظل القرآن أسلم وأبعد ما يكون في فصاحته وبلاغته عن أي طعن من فصحاء العرب رغم تشوف كفارهم إلى ذلك، ورغم أن انتقاد الكلام، كان دأبهم شعراً ونثراً، واستدراك بعضهم على بعض كان ديدينهم رغم قلة الدواعي.
ومما ورد في ذلك ما ذكره الرافعي من استدراك الخنساء على حسان ابن ثابت في شعر أنشده بعكاظ، قال فيه:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى | وأسيافنا يقطرن من نجدة دما |
ولدنا بنى العنقاء وابن محرق | فأكرم بناخالاً وأكرم بنا ابنما |
فقالت الخنساء: ضعف افتخارك، وأبرزته في ثمانية مواضع، قال: وكيف؟ قالت: قلت"لنا الجفنات" والجفنات ما دون العشر، فقللت العدد، ولو قلت " الجفان" لكان أكثر، وقلت: "الغر" والغرة البياض في الجبهة، ولو قلت:"البيض" لكان أكثر اتساعاً، وقلت:"يلمعن" واللمع شيء يأتى بعد الشيء، ولو قلت "يشرقن" لكان أكثر، لأن الإشراق أدوم من اللمعان، وقلت: "بالضحى" ولو قلت: "بالعشية" لكان أبلغ في المديح، لأن الضيف بالليل أكثر طروقاً، وقلت: "أسيافنا"، والأسياف دون العشر، ولوقلت: "سيوفنا" كان أكثر، وقلت:"يقطرن" فدللت على قلة القتل، ولوقلت:"يجرين" لكان أكثر، لانصباب الدم، وقلت "دما" والدماء أكثر من الدم، وفخرت بمن ولدت، ولم تفتخر بمن ولدوك) (١).