ويضاف إلى العوامل السابقة في نشأة النحو الحاجة إلى فهم مناحي التركيب اللغوي ليصار إلى التعامل مع القرآن والاستنباط من أحكامه، وقد عدَّ العلماء الإحاطة بعلوم اللغة والنحو والتصريف من العلوم الرئيسة التي يحتاج إليها المفسِّر لكتاب الله (١)، ومن هنا نشأ لدى السلف كراهية شديدة تجاه ظاهرة اللحن، وحَضٌّ على اكتساب العربية والتفقه في مواردها، فالخليفة الراشد عمر يقول: ((تَفَقَّهوا في العربية؛ فإنها تُشَبِّب العقل وتزيد في المروءة)) (٢). وقال أُبَيُّ بن كعب: ((تعلموا العربية كما تتعلَّمون حِفْظ القرآن)) (٣). وهذا قتادة يقول: ((لا أسأل عن عقل رجل لم يدلَّه عقله على أن يتعلَّم من العربية ما يُصْلح به لسانه)) (٤)، أما الأصمعيُّ فيخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كذب عليَّ متعمِّداً فليتبوَّأ مقعدَه من النار" لأنه لم يكن يلحن، فمهما رَوَيْتَ عنه ولَحَنْتَ فقد كَذَبْتَ عليه)) (٥).
وهكذا جَدَّ علماء العربية من السلف، واجتهدوا إلى أن أقاموا صرح علمٍ من العلوم الإسلامية التي لا يَسْتغني عنها أحد من طلبة العلم، وأصبحت العربية من الدين نفسه، وأصبح تعلمها لفهم مقاصد الكتاب والسنة قربة إلى
(٢) طبقات النحويين ١٣.
(٣) تنبيه الألباب ٧٦.
(٤) المصدر نفسه ٧١.
(٥) معجم الأدباء ١ / ٩٠، والحديث رواه البخاري في كتاب العلم (فتح الباري ١ / ٢٤٢).