عز وجل ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾ (الصافات: ٦٥)، وإنما يقع الوعد والإيعاد بما عُرِف مثله، وهذا لم يُعرف. فقلت: إنما كلَّم الله تعالى العرب على قَدْر كلامهم، أما سمعتَ قول امرئ القيس:

أيقتُلني والمَشْرَفيُّ مُضاجِعي ومَسْنونةٌ زُرْقٌ كأنياب أَغْوال
وهم لم يَرَوا الغول قط، ولكنهم لما كان أمرُ الغول يَهولهم أُوعِدوا به، فاستحسن الفضل ذلك واستحسنه السائل، وعَزَمْتُ من ذلك اليوم أن أضع كتاباً في القرآن في مثل هذا وأشباهه، وما يُحتاج إليه مِنْ عِلْمه، فلمَّا رجعت إلى البصرة عملت كتابي الذي سَمَّيْتُه المجاز)).
ولم تقتصر علاقة القرآن بمنهج البحث البلاغي على الدفاع عنه والتماس وجه إعجازه، بل إن ثمة علاقةً أخرى، وهي الضرورة التي يُحِسُّها المسلم من جهة فَهْم معانيه (١)، ولا يتمُّ هذا الفهم إلا بالإحاطة بأساليبه، وما يمكن أن ينطويَ وراء تعبيراته من المعاني والمقاصد، على قَدْر طاقة المشتغلين فيه. ومن هنا جال علماء البيان بضروب الأسلوب القرآني، وكان هذا من الحوافز التي وجَّهَتْ أنظارهم إلى الفنون المختلفة للتعبير الفني في الشعر والنثر، فوضعوا مصنفات كثير في هذه الحقول (٢)، وكانت هذه المصنفات صدىً لبيان خصائص النظم القرآني.
وكان من جملة أغراض البحث البلاغي عندهم إثبات أنَّ ما عُرِف في
(١) البيان العربي ٢٥.
(٢) أثر القرآن في تطور النقد العربي ٢٠٨.


الصفحة التالية
Icon