عن قوله تعالى: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ (النحل: ٤٧). فقام إليه شيخ من هذيل فقال: هذه لغتنا، التخوُّف التنقُّص. فسأله عمر: هل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال: نعم. قال الشاعر:

تَخَوَّف الرَّحْلُ منا تامِكاً قَرِداً كما تخوَّفَ عودَ النَّبْعَة السَّفِنُ (١)
فقال عمر: أيها الناس، عليكم بديوانكم لا يضلُّ. فقالوا: وما ديواننا؟
قال: شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم.
وقام حَبْرُ الأمة ابن عباس رضي الله عنه في ميدان الاستشهاد بالشعر على غريب القرآن بجهد متميز، وكان له مجالس واسعة تعقد لهذا الغرض، ويَفِدُ إليه الناس من كل حدب وصوب، وكان يقول (٢) :((إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر؛ فإن الشعر ديوان العرب)).
وقال عمرو بن دينار (٣) :((ما رأيت مجلساً قط أَجْمَعَ لكل خير من مجلس ابن عباس للحلال والحرام وتفسير القرآن والعربية والشعر)). وتحتفظ مصنفات علوم القرآن بحوار علمي مطولٍ جرى بين أحد زعماء الخوارج وهو نافع بن الأزرق وابن عباس، فقد قال نافع لصاحبه نجدة بن عويمر: قم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن والفتيا بما لا عِلْمَ له به. فقاما إليه فقالا: نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله عز وجل فتفسِّره لنا، وتاتينا بمصداقه من
(١) التامك: السنام. القرد: الذي تراكم لحمه من السِّمن. والنبعة: ضرب من الشجر الصلب. والسفن: المبرد.
(٢) طبقات القراء ١ / ٤٢٦.
(٣) طبقات القراء ١ / ٤٢٦.


الصفحة التالية
Icon