معرفة ذلك منه)) (١)، وبذلك تكون دراسة القرآن الكريم والرغبة في تفسير غريبه وفهم مقاصده سبباً رئيساً من أسباب العناية بالشعر العربي. ومع مرور الأيام تزايدت الحاجة إلى هذا الاتجاه، وتابع هذا المنحى علماء العربية والتفسير، ولا غرابة أن تحفل كتب إعراب القرآن وتفسيرة بمادة غزيرة من الشعر العربي الفصيح، فقد تجاوزت الشواهد الشعرية في كل من البحر والمحيط وجامع القرطبي والدر المصون مثلاً أكثر من خمسة آلاف بيت.
ونجم عن العناية برواية الشعر الكشف عن أسرار الأسلوب القرآني وإعجازه، وتفوُّقه على أعلى مراتب الشعر البليغ الذي كانت العرب تحتفل به أيَّما احتفال، وهي الخبيرة بمواقع النظم الرفيع، وللجرجاني في كتابَيْه ((الدلائل)) و ((الأسرار))، وللباقلاني في ((إعجاز القرآن))، جولات واسعة في هذا الحقل، حيث وازن هؤلاء الأئمة بين أسلوبَيْ القرآن والشعر، وعرضوا أمثلة وافية؛ وذلك لأنَّ الشعر ديوان العرب نظم فيه أصحابه عصارة بيانهم وصفوة بلاغتهم. ويرى عبد القاهر (٢) أنه لمَّا كان الشعر ديوان العرب كان محالاً أن يَعْرف القرآنَ معجزاً مِنْ جهة فصاحته إلا مَن عرف الشعر. ونودُّ أن نضرب مثالاً من كتاب ((إعجاز القرآن)) للباقلاني يوضِّح من خلاله تَفَوُّق الأسلوب القرآني على أعلى أساليب العرب في الشعر من حيث البلاغة والبيان يقول (٣) :((ونظم القرآن جنس متميز، وأسلوب متخصص،

(١) الإتقان ١ / ١٢١.
(٢) دلائل الإعجاز ٧.
(٣) إعجاز القرآن ١٦٠.


الصفحة التالية
Icon