خصائص لهجات العرب الأخرى (١). وقد تكفَّلَت كتب ((لغات القبائل)) بإسناد كل مفردة قرآنية إلى أصل قبيلتها التي انحدرت منها، على نحو ما تبيَّن لنا في موضوع اللغة.
والحق أنَّ هذا التطور التاريخي للهجة قريش التي نزل بها القرآن كان مَحْمَدة لصالح العرب جميعاً؛ وذلك لأنَّ هذه اللهجة أصبحت لغة الأدب والشعر وقاسماً مشتركاً لدى جميع القبائل، ولو كانت لهجة قريش مقصورةً عليها غير معهودة عند العرب لما استطاعت هذه القبائل أن تحقِّق الانتفاع بالقرآن الكريم والتعامل معه لأنه بلهجةٍ غيرِ لهجتها (٢)، وبذلك صار تحدِّي القرآن للعرب جميعاً يقوم بغرضه الذي سِيق من أجله، فهو معجزٌ بالإضافة إلى قبائلهم كلها، ، ولو كان التحدي مُوَجَّهاً إلى قبيلة قريش وحدها لقيل: إن القرآن جاء بما لا قدرةَ للعرب على جنسه (٣).
وقد بذل النحاة جهداً فائقاً لخدمة القرآن بمختلف قراءاته المتواترة والشاذة، فوجَّهوها بالتعليل المستند إلى الأصول المعتمدة عندهم، واستشهدوا على ذلك بالشواهد الفصيحة التي جمعوها من البوادي عبر رحلاتهم العلمية المديدة، وقد استندوا إلى هذه القراءات في تأصيل قواعدهم، وإرساء معالم الصناعة النحوية والصرفية، وضبط مفردات اللغة. ومن المعلوم أن للقراءات الصحيحة شروطاً ومعايير تجعلها مقبولة، وقد اعتمدها النحاة واللغويون
(٢) أثر القراءات في الدراسات النحوية ١٦.
(٣) المصدر نفسه ١٦.