فلمّا كان كذلك راضَ الناسُ أنْفُسَهم بتعلُّم العربيّة، ولم يجدوا إلى ذلك سبيلاً أوضح من الشعر، فحفظوا دواوين الشعراء، وأحكموها... " (١).
وقد سبق أبو حاتم إلى تقرير الاحتجاج، وأورد قِصَّة ابن عبّاسٍ مع نافع بن الأزرق، فقال: ((وقد احتجَّ العلماء من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الفقهاء في غريب القرآن والحديث بالشعر، وقد رُوِيَ ذلك عنهم، روى أبو عُبيدةَ بإسنادٍ له عن عكرمة، قال: رأيْتُ ابْنَ عبّاسٍ وعنده نافعٍ ابن الأزرق، وهو يسأله، ويطلب منه الاحتجاجَ باللُّغة، فسأله عن قول الله عزّ وجلَّ ﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾ [الانشقاق: ١٧]، فقال: وما جمع، ألم تسمع:
مُسْتَوْسِقاتٍ لو يَجِدْن سائقاً
قال: وسأله عن قوله: ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً﴾ [مريم: ٢٤] فقال: هو الجدول، فسأله عن الشاهد، فأنشده:
سلماً ترى الدّالج منه أْزَوَرا... إذا يَمُجُّ في السَّرِيِّ هَرْهرا
وسأله عن قوله: ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ [القلم: ١٣] قال: هو الدَّعِيُّ المُلْصَقُ، أَما سمعْتَ قولَ حَسَّان:
زنيمٌ تداعاه الرِّجال زيادةً... كما زيد في عرض الأديم الأكارِعُ
وروي عن أبي عبيدة أنّه سأله عن قول الله تعالى ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ [القيامة: ٢٩] فقال: الشِّدَّة بالشِّدَّة، فسأله عن الشاهد، فأنشده:
أخو الحربِ إنْ عَضَّتْ به الحَرْبُ عَضَّها... وإن شَمَّرتْ عن ساقها الحربُ شَمَّرا