والمعاقرة والمياسرة - بتلاوة الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد، وبالتفقُّه في دينِ الله عز وجلّ وحفظ سُنَنِ رسولِ الله ﷺ مع اجتهادهم في مجاهدة أعداء الإسلام.
فصار الذي نشأ عليه آباؤهم، ونشؤوا هم عليه كأن لم يكن، وحتّى تكلّموا في دقائقِ الفقه، وغوامض أبواب المواريث وغيرها من علم الشريعة، وتأويل الوحي بما دُوّن وحفظ. فسبحان من نقل أولئك في الزمن القريب بتوفيقه عمّا ألفوه، ونشؤوا عليه، وغُذوا به، إلى مثل هذا الذي ذكرناه" (١).
هذا فِعْل الإسلام بأمَّةِ العرب، أمّا غيرهم فهم كما قال أبو حاتم:
"أقبلتِ الأمم كُلّها إلى العربيّة يتعلّمونها رغبةً فيها، وحرصاً عليها، ومحبَّة لها وفضلاً أبانه الله فيها للناس، ليبيِّن لهم فضلَ محمّد ﷺ على سائر الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، وتثبُت نبوَّته عندهم، وتتأكّد الحُجَّة عليهم، وليظهر دين الإسلام على كُلِّ دينٍ؛ تصديقاً لقولِه (عزَّ وجلَّ) حيثُ يقولُ: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣٣].
ولو ذهبنا نَصِفُ اللُّغاتِ كُلَّها عجزنا عن تناول ما لم يُعْطَه أَحَدٌ قبلنا، ولكنّا نذكر من ذلك على قدر المعرفة، ومقدار الطاقةِ، ونتكلَّم بما علمنا منه محبَّةً لإيرادِ فَضْلِ لغة العرب؛ إذْ كان فيه إظهار فضيلة الإسلام على سائر الملل، وإبراز فضل محمد ﷺ على جميع الأنبياءِ والرسل عليهم الصلاة والسلام، وإن كان ذلك ظاهراً بنعمة الله، بارزاً بحمد الله؛ لأن دين الإسلام عربيّ، والقرآن عربيّ، وبيان الشرائع، والأحكام،