أمّا "معاني القرآن" فقد كان لعلماء العربيّة فيها إسهامٌ واضح، صار فيما بعد من مصادر التفسير، ولو رجعنا إلى كتب المعاني لوجدنا لأهل العربيّة الأوائل جهداً بارزاً واضحاً، تلقَّته الأُمَّة بالقبولِ، ويكفي أن نشير هنا إلى ثلاثة كتبٍ، هي:
١ - مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنّى (ت ٢١٠ هـ‍) من مقدّمة كتابه اتّفاق كلام العرب والقرآن في الألفاظ، والتراكيب، والمدلولات، والاستعمالات، وأنّ القرآن إنّما نزل بلغة العرب، وجاء على طرائقهم في البيان والكلام، قال أبو عبيدة: "قالوا: إنّما أنزِلَ القُرآنُ بلسانٍ عربيّ مبين، وتصداق ذلك في آية من القرآن، وفي آيةٍ أخرى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ [إبراهيم: ٤] فلم يحتج السَّلف ولا الّذين أدركوا وحيه إلى النبي ﷺ أن يسألوا عن معانيه، وعمّا فيه ممّا في كلام العربِ مثلُه من الوجوه والتلخيص، وفي القرآن مثل ما في الكلام العربيِّ، من وجوه الإعراب، ومن الغريب، والمعاني)) (١). ثم ذكر نماذج وأمثلة من القرآن قبل البدء بسوره (٢) ثمّ أجمل الحديث بقوله: "ففي القرآن ما في الكلام العربيِّ من الغريب والمعاني، ومن المحتمل من مجاز ما اختصر، ومجاز ما حُذِف، ومجاز ما كُفَّ عن خبره، ومجاز ما جاء لفظه لفظ الجمع، ووقع على الجميع، ومجاز ما جاء لفظه لفظ الجميع، ووقع معناه على الاثنين، ومجاز ما جاءَ لفظه خبر الجميع على لفظ خبر الواحد، ومجاز ما جاء الجميع في موضع الواحد إذا أُشْرِكَ بينه وبين آخر مفردٍ، ومجاز ما خُبِّر عن اثنين، أو عن أكثر من ذلك، فجعل الخبر للواحد، أو للجميع، وكُفَّ عن خبر الآخر، ومجاز ما خُبِّر عن اثنين، أو أكثر من ذلك،

(١) أبو عبيدة، معمر بن المتنبّي (ت ٢١٠ هـ) مجاز القرآن، تحقيق فؤاد سزكين / ط الثانية عام ١٣٩٠ هـ القاهرة، ١ / ٨.
(٢) أبو عبيدة، مجاز القرآن ١ / ٨ - ١٨.


الصفحة التالية
Icon