ينسوا فرعها؛ لأنّ الأصل يبحث في " رسوم العرب في مخاطباتها، ومالها من الافتنان تحقيقاً ومجازاً... وهذه هي الرُّتْبةُ العليا؛ لأنّ بها يعلم خطاب القرآن والسُّنَّة، وعليها يُعَوِّلُ أهل النظر والفتيا، وذلك أنّ طالب العلم العلويّ يكتفي من أسماء الطويل باسم الطويل، ولا يضيره أن لا يعرف الأشقَّ والأمقَّ، وإن كان في ذلك زيادة فضل.
وإنّما لم يضره خفاءُ ذلك عليه؛ لأنّه لا يكاد يجدُ منه في كتاب الله (جلّ ثناؤه) شيئاً فيحوج إلى علمه ولو أنّه لم يعلم توسُّع العرب في مخاطباتها لعيَّ بكثيرٍ من علم محكم الكتاب والسُّنَّة، ألا تسمع قولَ الله (جلّ ثناؤه) :﴿وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الأنعام: ٥٣] إلى آخر الآية، فسرُّ هذه الآية في نظمها
لا يكون بمعرفة غريب اللُّغة والوحشيِّ من الكلام، وإنّما معرفته بغير ذلك ممّا لعلّ كتابنا (أي الصاحبي) هذا يأتي على أكثره بعونِ الله تعالى) " (١) وقد صدق ابن فارسٍ في هذا، ووفّى بما وعد؛ فكُلُّ المباحث المتعلِّقة بالحروف، ومعاني الكلام إنّما هي في معرفة رسوم العرب في مخاطباتها، وقد قرنها بخطاب القرآن والسنة، وقد كان جُلُّ اعتماده على كتاب معاني القرآن، وكتب العربية، والتفسير.
وقد كان ميدان المعاني ميداناً فسيحاً، ولج منه الطاعنون على كتاب الله، الزّائغون عن نور اليقين، المحرومون من نور هدايته، وحلاوة بيانه وطلاوته، ونظرة عجلى فيما أورده ابن قتيبة في كتابه "تأويل مشكل القرآن" من طعونهم، وشبههم، وضربهم القرآن بعضه ببعض، واتباع متشابهه، وترك

(١) ابن فارس، الصاحبي ص ٣ - ٤.


الصفحة التالية
Icon