وتأويلهم، وبهذا اللسانِ مناقلتهم في العلم، ومحاورتهم، وتدريسهم، ومناظرتهم، وبه تقطر في القراطيس أقلامهم، وبه تَسْطُر الصُّكوكَ والسِّجّلات حُكّامهم، فهم ملتبسون بالعربيّة أَيّةً سلكوا غير منفكين عنها أينما وجَّهوا، كُلٌّ عليها حيثما سيّروا... " (١). ثم قال: "وإنّ الإعراب أجدى من تفاريق العصا، وآثاره الحسنة عديد الحصى، ومن لم يتَّقِ الله في تنزيله، فاجترأ على تعاطي تأويله، وهو غير معرب، فقد ركِبَ عمياءَ، وخَبَطَ خَبْط عشواء، وقال ما هو تَقُوّلٌ وافتراءٌ وهُراءٌ، وكلاّمُ الله منه براء، وهو المرقاة المنصوبة إلى علم البيان، المطلع على نكت نظم القرآن، الكافل بإبراز محاسنه، الموكل بإثارة معادنه، فالصادُّ عنه كالسَّادِّ لطرق الخير كيلا تسلك، والمريد بموارده أن تعاف وتترك" (٢).
وبعد، فقد وضح لنا مدى التلازم أو التآخي بين علوم العربية، وعلوم القرآن حتّى غدا كُلُّ واحدٍ لا يتم إلا بالآخر، وهذه لحمة أكدها افتقار كُلٍ إلى الآخر، كما اتضح من خلال ما قدّمته، إذْ لا يستطيع دارس علوم القرآن أن يفيد منها كما ينبغي إلاّ بدرسٍ للعربية وعلومها المختلفة جادٍّ، في حين لو تخلّت علوم العربية عن القرآن، أو نأتْ لتحوّلت جُثَّةً هامدةً، ولفقدت روحها الفاعلة، ولفقدت ما فيها من مُقوّماتٍ أسلوبيّة، وبيان ناصع.
كما وضح لنا مدى خطورة الدعوة إلى التخلِّي عن مزايا الجملة القرآنيّة، ولغة القرآن؛ التي تغذوها النُّصوصُ من القرآن والسُّنَّةِ، والتراث العربيّ

(١) الزمخشريّ أبو القاسم محمود بن عمر (ت ٥٣٨ هـ) المفصّل في علم العربيّة / ط الثانية / دار الجيل / بيروت ص ٣.
(٢) الزمخشري، المفصّل ص ٤ - ٥.


الصفحة التالية
Icon