وقد حمل نزول القرآن باللغة العربية طائفةً أن يجعلوه دليل فضلها على سائر اللغات، نجد ذلك في مثل قول أبي حاتمٍ الرَّازيّ (ت ٣٢٢هـ‍) :
"فأفضل ألسنة الأمم كلها أربعة: العربية، والعبرانية، والسريانية، والفارسية؛ لأن الله (عزّ وجلّ) أنزل كتبه على أنبياء (عليهم السلام) آدم، ونوح، وإبراهيم، ومن بعدهم من أنبياء بني إسرائيل بالسريانية والعبرانية، وأنزل القرآن على محمد ﷺ بالعربية، وذكر أن المجوس كان لهم نبيٌّ وكتابٌ، وأنّ كتابه بالفارسيّة، هذا ما اتّفق عليه أصحاب الشرائع" (١).
وقد جعل الرّازي العربيّة أفضل اللغات الأربع، وأفصحها، وأكملها، وأتمّها، وأعذبها، وأبينها، وجعل حرص النّاس على تعلّم العربية علامة فضلها، ونقل الكتب السماوية المنزلة بغير العربية إلى العربية، ونقل حكمة العجم إليها، وما في كتب الفلسفة، والطب، والنجوم، والهندسة، والحساب من اليونانية والهندية إلى العربيّة وجهاً آخر لفضلها، في حين لم يرغب أهل القرآنِ والكتاب العربيّ في نقله إلى شيءٍ من اللُّغات، ولا قدر أحدٌ من الأمم أن يترجمه بشيء من الألسنة... بل تعذَّر عليهم لكمال العربيّة، ونقصان غيرها من سائر اللغات (٢).
وقد قال نحواً من هذا ابن فارس، بل لعلّه اقتفاه في أن الترجمة الحرفية للقرآن متعذّرة، وأنه لا يمكن إلا أن يحال القرآن إلى عبارةٍ سهلة، تخلو من سمات لغة الأدب، ثم يترجم معناها فيما بعد، ومثل لهذا بمثل قوله: {فَانْبِذْ

(١) أبو حاتم، الزينة ص ٧٣.
(٢) السابق ص ٧٣.


الصفحة التالية
Icon