الوقف على القرآن الكريم مع تدريس المذاهب الفقهية:
من أمثلة عناية السلاطين بتحبيس الأوقاف بمكة المكرمة خدمة للقرآن بخاصة، وللفقه بعامة، ما ذكره العلامة المؤرخ محمد بن علي بن فضل الطبري المكي أن السلطان قايتباي في سنة ٨٨٢هـ "أمر وكيله وتاجره الخواجا شمس الدين محمد بن عمر الشهير بالزمن وشاد عمائره الأمير سُنْقُر الجمالي – إلى أن يحصل له موضعا مشرفاً على الحرم ليبني له مدرسة، ويعمر له ربوعاً، ومسقفات يحصل منها ريع كثير يقسم منه على المدرسين، وعلى الفقراء، وأن تقرأ له ربعة في كل يوم، يحضرها القضاة الأربعة، والمتصوفون، ويقرر لهم وظائف، ويعمل مكتباً للأيتام، وغير ذلك من جهات الخير، فاستبدل له رباط السدرة ورباط المراغي، وكان إلى جانب المراغي دار للشريفة شمسية من شرائف بني حسن، اشتراها منها، وهدم ذلك جميعه، وجعل فيه اثنتين وسبعين خلوة، ومجمعاً كبيراً مشرفاً على المسجد الحرام، وعلى المسعى الشريف، ومكتباً ومئذنة، وصير المجمع المذكور مدرسة بناها بالرخام الملون، والسقف المذهب، وقرر فيه أربعة مدرسين على المذاهب الأربعة، وأربعين طالباً، وأرسل خزانة كتب وقفها على طلبة العلم، وجعل مقرها المدرسة المذكورة، وجعل لها خازناً عيَّن له مبلغاً …
وجعل الوقف في ذلك المجمع للقضاة الأربعة حضروا بعد العصر مع جماعة من الفقهاء يقرؤون له ثلاثين جزءاً من القرآن العظيم" (١).
لا يخفى أن الأوقاف من هذا النمط كثيرة جداً، وقد ذكر العلامة تقي الدين الفاسي في كتابه " شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام " إحدى عشرة