العرب وأشعارهم بالمسجد الحرام.
وكان لحلقته بالمسجد الحرام الفضل في تأسيس مدرسة في علم التفسير لها خصائصها وأعلامها من كبار التابعين مثل عطاء بن أبي رباح الذي خلفه في حلقة العلم تفسيراً، وفقهاً وفتيا، ثمّ صارت هذه الحلقة لابن جريج، وقد تخرج فيها كثيرون، وبرغم وفاة ابن عباس سنة ٧٨هـ ظلت مدرسة مكة قائمة يتلقى أبناؤها العلم طبقة بعد طبقة (١).
ولئن صح هذا عن المسجد الحرام وأثر حلقات العلماء فيه على تطور النهضة العلمية بالقرآن الكريم وعلومه، وهو المحور الأساس في التعليم الإسلامي، إنه لصحيح أيضاً وصادق في حق كافة الأمصار والمدن الإسلامية التي انتشر فيها الصحابة رضوان الله عليهم، فورَّثوا القرآن وعلومه إلى أجيال التابعين وتابعي التابعين وإلى مَنْ بعدهم، حتى وصل إلينا القرآن الكريم محفوظاً من التغيير والتبديل، تقرؤه أجيالنا كيوم نزوله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وتُبرز الدراسات العلمية الموثقة فيما يخص أثر المساجد في المحافظة على القرآن الكريم والعناية بعلومه، أنه لم يتوقف بنشوء المدارس وتأسيسها فيما بعد، والمسجد الحرام بحلقاته العلمية أنموذج صادق على أهمية هذه الحلقات العلمية في القرنين السابع والثامن للهجرة، بل ظل على مدى القرون الإسلامية، يزدحم برجال الحديث والقراء وأصحاب الفتيا، وظلت حلقاتهم تتدبر تفسير آيات الذكر الحكيم، وأخذ اتساع الحلقات يتضاعف في مواسم

(١) انظر: العبيكان، طرفة عبد العزيز، الحياة العلمية الاجتماعية في مكة في القرنين السابع والثامن للهجرة، (الرياض: مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية، سنة ١٤١٦هـ/١٩٩٦م)، ص٥٤. ٥٥.


الصفحة التالية
Icon