كِتَابِ ابْنِ مَرْيَمَ مُوَافِقًا لَهُ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: يَا جَعْفَرُ لَقَدْ تَكَلَّمْتَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ فَعَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ أَمَرَ النَّجَاشِيُّ فَضُرِبَ بِالنَّاقُوسِ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ كُلُّ قِسِّيسٍ وَرَاهِبٍ؛ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ قَالَ النَّجَاشِيُّ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى هَلْ تَجِدُونَ بَيْنَ عِيسَى وَبَيْنَ الْقِيَامَةِ نَبِيًّا مُرْسَلًا فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَدْ بَشَّرَنَا بِهِ عِيسَى وَقَالَ: مَنْ آمَنَ بِهِ فَقَدْ آمَنَ بِي، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِي؛ فَقَالَ النَّجَاشِيُّ لِجَعْفَرٍ: مَاذَا يَقُولُ لَكُمْ هَذَا الرَّجُلُ وَيَأْمُرُكُمْ بِهِ وَمَا يَنْهَاكُمْ عَنْهُ؟ قَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْنَا كِتَابَ اللَّهِ وَيَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَأْمُرُ بِحُسْنِ الْجِوَارِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَبِرِّ الْيَتِيمِ، وَيَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَقَالَ: اقْرَأْ عَلَيْنَا شَيْئًا مما كان يقرأعليكم، فقرأ عَلَيْكُمْ سُورَةَ "الْعَنْكَبُوتِ" "وَالرُّومِ"، فَفَاضَتْ عَيْنَا النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ مِنَ الدَّمْعِ وَقَالُوا: يَا جَعْفَرُ زِدْنَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الطَّيِّبِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ "الْكَهْفِ" فَأَرَادَ عَمْرٌو أَنْ يَغْضَبَ النَّجَاشِيُّ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ يَشْتُمُونَ عِيسَى وَأُمَّهُ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: مَا يَقُولُونَ فِي عِيسَى وَأُمِّهِ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ جَعْفَرٌ سُورَةَ "مَرْيَمَ"، فَلَمَّا أَتَى عَلَى ذِكْرِ مَرْيَمَ وَعِيسَى رفع النجاشي بقية مِنْ سِوَاكٍ قَدْرَ مَا يَقْذِي الْعَيْنَ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زَادَ الْمَسِيحُ عَلَى مَا تَقُولُونَ هَذَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ فَقَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي، يَقُولُ: آمِنُونَ، مَنْ سَبَّكُمْ أَوْ آذَاكُمْ غَرِمَ؛ ثُمَّ قَالَ: أَبْشِرُوا وَلَا تَخَافُوا، وَلَا دَهْوَرَةَ الْيَوْمَ عَلَى حِزْبِ إِبْرَاهِيمَ؛ قَالَ عَمْرٌو: يَا نَجَاشِيُّ وَمَنْ حِزْبُ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ وَصَاحِبُهُمُ الَّذِي جَاءُوا مِنْ عِنْدِهِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ وَادَّعَوْا دِينِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ رَدَّ النَّجَاشِيُّ عَلَى عَمْرٍو وَصَاحِبِهِ الْمَالَ الَّذِي حَمَلُوهُ وَقَالَ: إِنَّمَا هَدِيَّتُكُمْ إِلَيَّ رِشْوَةٌ فَاقْبِضُوهَا، فَإِنَّ اللَّهَ مَلَّكَنِي وَلَمْ يَأْخُذْ مِنِّي
رِشْوَةً؛ قَالَ جعفر: وانصرفنا فكنا فِي خَيْرِ دَارٍ وَأَكْرَمِ جِوَارٍ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي خُصُومَتِهِمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾ عَلَى مِلَّتِهِ وَسُنَّتِهِ ﴿وَهَذَا النَّبِيُّ﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾