الْأَنْصَارِ يُدْعَى: عَامِرَ بْنَ قَيْسٍ فَحَقَّرُوهُ، فَتَكَلَّمُوا وَقَالُوا: وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا لَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ. فَغَضِبَ الْغُلَامُ وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقٌّ وَإِنَّكُمْ لَشَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ، فَدَعَاهُمْ فَسَأَلَهُمْ، فَحَلَفُوا أَنَّ عَامِرًا كَاذِبٌ وَحَلَفَ عَامِرٌ أَنَّهُمْ كَذَبَةٌ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُفَرِّقْ بَيْنَنَا حَتَّى تُبَيِّنَ صِدْقَ الصَّادِقِ مِنْ كَذِبِ الْكَاذِبِ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ﴾ وَنَزَلَ قَوْلُهُ: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ﴾ الْآيَةَ ﴿٦٤﴾.
قَالَ السُّدِّيُّ: قَالَ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ: وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي قُدِّمْتُ فَجُلِدْتُ مِائَةً وَلَا يَنْزِلُ فِينَا شَيْءٌ يَفْضَحُنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا يَقُولُونَ الْقَوْلَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَقُولُونَ: عَسَى اللَّهُ أَنْ لَا يُفْشِيَ عَلَيْنَا سِرَّنَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ ﴿٦٥﴾.
قَالَ قَتَادَةُ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِذْ قَالُوا: يَرْجُو هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَفْتَحَ قُصُورَ الشَّامِ وَحُصُونَهَا! هَيْهَاتَ لَهُ ذَلِكَ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: "احْبِسُوا عَلَيَّ الرَّكْبَ" فَأَتَاهُمْ فَقَالَ: "قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ " فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
(١) - وقال زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ومحمد بن وهب: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: مَا
رَأَيْتُ مِثْلَ قُرَّائِنَا هَؤُلَاءِ أَرْغَبَ بُطُونًا وَلَا أَكْذَبَ أَلْسُنًا وَلَا أَجْبَنَ عِنْدَ اللِّقَاءِ، يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ: كَذَبْتَ
_________
(١) - أخرجه ابن جرير (١٠/١١٩) وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو الشيخ (فتح القدير: ٢/٣٧٨) من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما به موصولاً بالرواية الآتية.
وإسناده جيّد، وهشام بن سعد وإن كان في حفظه شيء، إلا أنه أثبت الناس في روايته عن زيد بن أسلم (تهذيب التهذيب: ١١/٤٠) (ميزان الاعتدال: ٤/٢٩٩).