هَبِلْتُمْ عَلَيْنَا تَفْخَرُونَ وَأَنْتُمُ لَنَا خَوَلٌ مِنْ بَيْنِ ظِئْرٍ وَخَادِمِ
وَأَفْضَلُ مَا نِلْتُمْ مِنَ الْمَجْدِ وَالْعُلَى رِدَافَتُنَا مِنْ بَعْدِ ذِكْرِ الْأَكَارِمِ
فَإِنْ كُنْتُمْ جِئْتُمْ لِحَقْنِ دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ أَنْ تُقْسَمُوا فِي الْمَقَاسِمِ
فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ نِدًّا وَأَسْلِمُوا وَلَا تَفْخَرُوا عِنْدَ النَّبِيِّ بِدَارِمِ
وَإِلَّا وَرَبِّ الْبَيْتِ مَالَتْ أَكُفُّنَا عَلَى هَامِكُمْ بِالْمُرْهَفَاتِ الصَّوَارِمِ
قَالَ: فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَمُؤْتًى لَهُ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هَذَا الْأَمْرُ، تَكَلَّمَ خَطِيبُنَا فَكَانَ خَطِيبُهُمْ أَحْسَنَ قَوْلًا، وَتَكَلَّمَ شَاعِرُنَا فَكَانَ شَاعِرُهُمْ أَشْعَرَ، ثُمَّ دَنَا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَا يَضُرُّكَ مَا كَانَ قَبْلَ هَذَا"، ثُمَّ أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَسَاهُمْ وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَكَثُرَ اللَّغَطُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.
قوله - عز وجل - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ الْآيَةَ ﴿٦ - ٨﴾.
نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ مُصَدِّقًا وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا سَمِعَ الْقَوْمُ بِهِ تَلَقَّوْهُ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ فَحَدَّثَهُ الشَّيْطَانُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ فَهَابَهُمْ، فَرَجَعَ مِنَ الطَّرِيقِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: إِنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَدْ مَنَعُوا صَدَقَاتِهِمْ وَأَرَادُوا قَتْلِي، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَمَّ أَنْ يَغْزُوَهُمْ، فَبَلَغَ الْقَوْمَ رُجُوعُهُ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا: سَمِعْنَا بِرَسُولِكَ، فَخَرَجْنَا نَتَلَقَّاهُ وَنُكْرِمُهُ وَنُؤَدِّي إِلَيْهِ مَا قَبِلْنَا مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَبَدَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ، فَخَشِينَا أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا رَدَّهُ مِنَ الطَّرِيقِ كِتَابٌ جَاءَهُ مِنْكَ بِغَضَبٍ غَضِبْتَهُ عَلَيْنَا، وَإِنَّا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ، فَأَنْزَلَ الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ يَعْنِي الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ.


الصفحة التالية
Icon