٣- الوحي:
إمكانية الوحي ووقوعه:
ازدهرت الحياة العلمية وبددت أشعتها كل ريبة كانت تساور الناس إلى عهد قريب فيما وراء المادة من روح، وآمن العلم المادي الذي وضع جل الكائنات تحت التجربة والاختبار بأن هناك عالمًا غيبيًّا وراء هذا العالمَ المشاهَد، وأن عالَم الغيب أدق وأعمق من عالَم الشهادة، وأكثر المخترعات الحديثة التي أخذت بألباب الناس تحجب وراءها هذا السر الخفي الذي عجز العلم عن إدراك كنهه وإن لاحظ آثاره ومظاهره، وقَرَّبَ هذا بُعْدَ الشقة بين التنكر للأديان والإيمان بها مصداقًا لقوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ ١، وقوله: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ ٢..
فالبحوث النفسية الروحية لها في مضمار العلم الآن مكانتها، ويساندها ويُقرِّبها إلى الأفهام تفاوت الناس في مداركهم وميولهم وغرائزهم، فمن العقولِ العبقريُّ الفذ الذي يبتكر كل جديد، ومنها الغبي الذي يستعصي عليه إدراك بديهي الأمور، وبين المنزلتين درجات. والنفوس كذلك، منها الصافي المشرق، والخبيث المعتم.
وجسم الإنسان يطوي وراءه روحًا هي سر حياته، وإذا كان الجسم تبلى ذرَّاته وتفنى أنسجته وخلاياه ما لم يتناول قسطه من الغذاء، فجدير بالروح أن يكون لها غذاء يمدها بالطاقة الروحية كي تحتفظ بمقوماتها وقيمها.
وليس ببعيد على الله تعالى أن يختار من عباده نفوسًا لها من نقاء الجوهر وسلامة الفطرة ما يعدها للفيض الإلهي، والوحي السماوي، والاتصال بالملأ
٢ الإسراء: ٨٥.