خالفهم. وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حُجة، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حُجة على بعض ولا على مَن بعدهم، ويُرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السٌّنَّة، أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك"١.
وقد ظل التفسير محتفظًا في هذا العصر بطابع التلقي والرواية، ولكن التابعين - بعد أن كثر دخول أهل الكتاب في الإسلام، نقلوا عنهم في التفسير كثيرًا من الإسرائيليات، كالذي يُروى عن عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، كما بدأ الاختلاف فيما يُروى عنهم من تفسير لكثرة أقوالهم. ومع هذا فإنها أقوال متقاربة أو مترادفة، فهو من باب اختلاف العبارة لا اختلاف التباين والتضاد.
١ مقدمة ابن تيمية في أصول التفسير ص٢٨، ٢٩، والإتقان جـ٢ ص١٧٩.
التفسير في عصور التدوين:
بدأ التدوين في أواخر عهد بني أمية، وأوائل عهد العباسيين، وحظي الحديث بالنصيب الأول في ذلك، وشمل تدوين الحديث أبوابًا متنوعة، وكان التفسير بابًا من هذه الأبواب، فلم يُفرد له تأليف خاص يفسِّر القرآن سورة سورة، وآية آية، من مبدئه إلى منتهاه.
واشتدت عناية جماعة برواية التفسير المنسوب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أو إلى الصحابة، أو إلى التابعين، مع عنايتهم بجمع الحديث. وفي مقدمة هؤلاء: يزيد بن هارون السلمي المتوفى سنة ١١٧ هجرية، وشُعبة بن الحجاج المتوفى سنة ١٦٠ هجرية، ووكيع بن الجرح المتوفى سنة ١٩٧ هجرية، وسفيان بن عيينة المتوفى سنة ١٩٨ هجرية، وروح بن عبادة البصري المتوفى سنة ٢٠٥ هجرية، وعبد الرزاق بن همام المتوفى سنة ٢١١ هجرية، وآدم بن أبي إياس المتوفى سنة ٢٢٠ هجرية، وعبد بن حميد المتوفى سنة ٢٤٩ هجرية.