﴿ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾
قوله تعالى: ﴿والَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، فاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ الآية.
وجب من ظاهر هذا النص وعمومِه جلدُ الرَّجُلِ ثمانين (جلدةً) إذا رمى زوجتَه بالزنا أو غيرَ زوجتِه ثم نسخ اللهُ الحد في الزوجةِ باللِّعانِالمذكورِ بعد هذا الموصوف حُكْمُه.
وقد قيل: إن الآيةَ مخصوصةٌ في قذف غيرِ الزوجات، وبيَّن ذلكاللعانُ وخصَّصَه، فلا نسخ فيه.
واحتجّ مَن رأى النسخَ في الآية فقال: إن النسخَ في الآية ظاهرٌ بمارواه ابنُ سيرين عن أنس بن مالك أَنَّ هلالَ بنَ أُميَّة قذف امرأتَه ورماهابِشَريك بن سَحْمي، فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ائت بأربعةِشهداء، وإِلاَّ تُحَدُّ في ظهرِك. فقال هلال: إن الله يعلم أَني صادق [وجعلالنبي - صلى الله عليه وسلم - يُكَرِّرُ عليه إيجابَ الحدّ، وهلال يكرر قوله: إن الله يعلم أَنيصادق] ثم قال هلال: (والله) لَيُنْزِلَنَّ الله - عزّ وجلّ - عليك ما يُبَرِّىءُظهري من الجلد فنزلت آية اللعان - الحديث -.
فهذا يدلُّ على أن الحدَّ كان واجباً على القاذف لزوجته ولغيرها، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب عليه الحدَّ، ثم نسخ اللهُ ذلك باللعان، وبقي الحدُّعلى القاذفِ لغير زوجته، وهذا يُبيِّنُ أن الآيةَ الأولى كانت عامةً في القاذفلزوجتِه أو لغيرِها ثم نُسِخَ الحدُّ عن القاذف لزوجته باللِّعان المذكوربعد ذلك، فهو من نسخ القرآن بالقرآن.
وقد روي عن ابن عباس (أنه قال): إنه منسوخٌ بقوله: ﴿والَّذِينَيَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ [النور: ٦] - الآية -.
قال أبو محمد: والرِّوايةُ عن ابن عباس في هذا ضعيفةٌ. والذي يقولبه أهلُ النظر: إن هذا لا يجوز أن يُنْسَخ لأن نسخه رفعُ حكمه كُلِّه، والحكمبالجلد على القاذف المحْصَنةَ بالزنا وعلى القاذف زوجته إذا نَكَل عن اللّعانباقٍ لكنه مخصَّص ومبيَّن بالآية الثانية. بيَّن الله بآية اللعان أن المرادَبالآية الأولى قذفُ غيرِ الأزواج بالزنا وما على مَنْ فَعَلَهُ، وبيَّنَ في الثانية ماعلى الأزواج إذا قذفوا زوجاتِهم بالزنا من اليمين (والحكم، وما علىالزوجات في ذلك)، وبيَّنت السُّنَّةُ أَنَّ مَنْ نَكَلَ منهما عن اليمين رجعإلى الحدِّ (إما الجلد ثمانين على الزوج إذا نكَلَ، وإما الرجم على الزوجةإذا كانت محصنةً، أو الجلد مائةً إذا كانت غيرَ محصَنة)، فالآيتان لا نسخَ فيهما غير أن الثانيةَ بينت الأولى وخصَّصْتها فأخرجْتها من العمومإلى الخصوص.
وفُهمَ من دليل الخطاب مع ما بيَّنته السُّنَّة أن الحدَّ في قذف الرّجلالحرِّ بالزنا كالحدِّ في قذف المرأة الحرَّةِ، إذ النَّصُ إنما وقع (في قذفالنساء) الحرائر. والإِحصان - في قوله: ﴿والَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَات﴾ -: الحريةُ، أو العفافُ، أو الإِسلامُ، أو أَحدُهما مع التزويج، ولا يَحْسُنُ أنيكونَ الإِحصانُ - في هدا -: التزويج فقط، لأنه يلزمُ أن لا يُحَدَّ من رمى غيرَمتزوجةٍ بالزنا.