﴿ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ﴾
قوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُم مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤].
أباحت هذه الآيةُ نكاحَ مَن عدا المحرمات المذكورات في قوله: ﴿وَلاَتَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِنَ النِّسَاء﴾[النساء: ٢٢] إلى قوله: ﴿إلاَّ مَا مَلَكَتْأَيْمَانُكُم﴾ [النساء: ٢٤].
ثم قال: ﴿وَأُحِلَّ لَكُم مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ أي: وأُحِلَّ لكم نكاحُ مَنْلم يُذكَر في المحرمات المذكورات.
فوجبَ مِن ظاهر هذا النّص جوازُ نِكاح المرأةِ وعمَّتِها، والمرأةِوخالتِها.
فنَسَخَت السنّةُ (ذلكَ) المفهومَ ممّا أباحته الآية، وذلك قول النبي - عليه السلام -: "لا يُجْمَعُ بينَ المرأةِ وعَمَّتِها، ولا بين المرأةِ وخالتِها"- وهو قول عطاء، وغيرِه -.
والذي عليه (أهلُ) النَّظر ويوجبُه الاجتهادُ أنّ الآيةَ غيرُ منسوخةٍ، وإنما هي مُخَصَّصَةٌ بالسنّة مبيَّنةٌ بها في أن الآيةَ غيرُ عامة فيخرجُ منها منالتّحليل تحريمُ الجمع بينَ المرأةِ وعمَّتِها والمرأةِ وخالتِها بالسنّة، والسنّة تبينُالقرآنَ وتخصِّصُه ولا تنسخُه.
وقد مضى الكلامُ على هذا وبيانُه.
وقد قال قتادة في معنى الآية: إن معنى ﴿ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾: ماملكَتْ أَيْمَانُكُم، وهذا القولُ ضعيفٌ لا يَصِحُّ عن قتادة؛ لأنّ مِلك اليمين قد تقدَّم ذِكرُه قبل ﴿وأُحِلَّ لَكُم﴾، ولقوله: ﴿مُحْصِنين﴾ والإحصان لايقع بالمملوكة.
فيصير المعنى على قول قتادة: والمحصناتُ من النساء إلاّ ما ملكَتْأيمانُكُم.
وهذا تكريرٌ لا معنى له. وحملُ اللَّفظَيْن على فائدتَيْن ومعنيَيْنِ أولى منحَمْلِهما على التكرير بمعنى واحد.
قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [النساء: ٢٤]؛
(هذه الآية نزلت): فيما كان أباح النبيُّ - عليه السلام - من نكاحالمتعة ثلاثةَ أيام.
كان الرجلُ يقول للمرأةِ: أتزوجُكِ إلى أجل كذا وكذا، على أَلاّميراثَ بيننا ولا طلاقَ ولا شاهد، وأعطيك كذا.
فنسخ اللهُ ذلكَ بما جعلَ بيدِ الزَّوْج من الطَّلاق في سورة البقرةوغيرِها، وبما فرَضَ مِن الميراث بين الزَّوجين، وبالعدَّة والصَّداق والشهادةِوالوليّ - هذا معنى قول ابنِ عباس وعائشةَ وعروةَ والقاسمِ وابنِ المسيّب، وهو قول السُّدِّي -.
وعن ابن عباسٍ: أن الآيةَ محكمةٌ غيرُ منسوخة، لكنها نزلت فيالنكاح الصحيح.
فالمعنى على هذا القول: فما استمتعتم به مِمَّنْ تزوجتم وإن قلّالاستمتاع فلها صداقُها فريضةً. فالاستمتاع على هذا القول: النكاحُالصحيح.
وعلى القول الأول: النكاحُ إلى أجل، بغير شاهد ولا ولي.
وبهذا القول الثاني قال الحسنُ ومجاهد.
وفي قراءة ابن عباس وأُبيّ ما يدلُّ على أن الآيةَ في جواز نكاحِالمتعةِ نزلت، ثم نُسِخَت بما ذكرنا. روي عنهما أنهما قرآ: فما استمتعتُمبه مِنْهُنَّ إلى أجلٍ مسمَّى فآتوهنَّ أُجورَهُن - وبذلك قرأ ابنُ جبير -.
ولا يجوز لأحدٍ اليوم أن يقرأ بذلك؛ لأنها قراءةٌ على التفسير مخالفةٌللمصحف؛ ولأن القرآنَ لا يؤخذُ بأخبارِ الآحاد.
وقد رُوِيَ عن ابن عباس أنه قال: هي (في) المتعة، ونسخَهاقولُه تعالى: ﴿يَا أيُّها النَّبيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١]، لأنالمتعةَ كانت بشرط أن لا طلاقَ بينَهُما.
وأكثرُ الناس على أنّ آيةَ الميراث نَسَخَت المتعةَ التي كانت نكاحاًبشرط ألاّ توارثَ بينهما.
وقالت عائشةُ - رضي الله عنها -: حرَّمَ اللهُ المتعةَ بقوله: ﴿والذِينَ هُمْلفُرُوجِهِمْ حَافِظُون إلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [المؤمنون: ٥، والمعارج: ٢٩].
وهذا قولٌ حسن؛ لأن المتعةَ لم تكُن زواجاً صحيحاً ولا مِلكَ يمين. ففرض الله في هذه الآيةِ حفظَ الفروجِ إلاَّ على زوجةٍ أو مِلك يمين، ونكاحُالمتعة ليسَ بملك يمين، ولا بنكاحٍ صحيحٍ يثبتُ به نَسَبٌ. والنكاحالصحيح ما ثبت به نَسَب فدخل تحتَ هذا التَّحريمِ تحريمُ نكاحِ المتعة؛إذ ليس بنكاح يَثْبُتُ به نسب.
قال أبو محمد: وهذا إنما يجوزُ على أن تكونَ إباحةُ المتعةبالسنّة، ثم نُسِخَت بالقرآن. ولا يجوزُ أن تكونَ إباحةُ المتعةِ على هذا القولبالقرآن؛ لأنها إنما نزلَت في سورة مدنية، وهي النِّساء. وقوله: ﴿إلاَّ عَلَىأزْوَاجِهِمْ﴾ - الآية: مكيٌّ، والمكيُّ لا ينسخ المدنيَّ؛ لأنه قبلَ المدنيِّ نزل، ولا ينسخُ القرآن قرآناً لم ينزل بعد.
وقيل: إن المتعة كانت بإباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهى عنها. فهو مننسخ السُّنَة بالسُّنّة. والآية إنما هي في النكاح الصحيح الجائز.
وكان نسخُ المتعة في بعض غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل: في غزوةخيبر، وقيل في فتح مكة، وقيل في حجة الوداع، وقيل في غزوة تبوك، وقيل: في غزوة أوطاس.
وروي أن (الإِباحةَ في المتعة) من النبي - عليه السلام - كانت ثلاثةَأيام. ثم نهى عنها فَنُسِخَت بنهي النبي - عليه السلام -.
(وقيل: بل أُبيحت في أول الإِسلام مدةً ثم نُسِخَت بالنهي عنها منالنبي صلى الله عليه وسلم).
قوله تعالى: ﴿وَلاَ جُناحَ عَلَيْكُم فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِالفَرِيضَةِ﴾ [النساء: ٢٤].
من قال: إن قوله: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنّ﴾ [النساء: ٢٤] فيجواز المتعة نَزَل ثم نُسِخَ. قال: إن قوله: ﴿فلا جُناحَ عليكُم فيما تراضيتُم به من بعد الفريضة﴾ منسوخٌ أيضاً؛ لأن معناه عنده: لا حَرَجَعليكم إذا تمَّ الأَجلُ الذي اشترطتم في الاستمتاع أن تزيدكَ المرأةُ في أجلالاستمتاع، وتزيدها أنتَ في الأُجْرَةِ على ما تراضيتُم به قبل أن (تستبرىءَنفسها).
وهذا كُلُّه منسوخ بما نُسِخَت به المتعة (بما) ذكرنا.
قال السُّدِّي: كان الرجل إن شاء أرضاها بعد الفريضة الأولى وتقيمُ معهبأُجرة أُخرى إلى أجل آخر.
فأما مَن قال: إن آيةَ الاستمتاع محكمةٌ، يُراد بها النكاح الصحيحالمباح قال: هذا أيضاً محكمٌ غيرُ منسوخ مرادٌ به النكاحُ الصحيحُالمباح، ومعناه عنده: لا حرجَ عليكُم فيما وهَبَت الزَّوْجةُ لزوجها منصَداقها إذا تراضوا على ذلك.
قال ابن زيد: إن وَضَعَتْ له شيئاً من صداقها فهو سائغ له.
وقد قيل: إن هذه الآيةَ محكمةٌ غيرُ منسوخة لكنها مخصوصةٌ نزلت في الْمُعْسِر. وذلك أن ينكح الرجل على صَداق، فتعرض له عُسْرَةٌ بعدأن فرض، فلا جُناح عليه إن أسقطت له الزوجةُ بعضَ الصَّداق، أو أسقطهله الوليّ.