﴿ وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
قوله تعالى: ﴿فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله﴾
ظاهرُ هذا يَدُلُّ على جوازِ الصَّلاةِ إلى كُلِّ جهةٍ من شرقٍ وغربٍ وغيرِه.
وهو منسوخٌ - عند مالك وأصحابه - بقوله: ﴿فولِّ وجهَكَ شَطْرَالمَسْجِدِ الحَرام﴾ [البقرة: ١٤٤، ١٤٩، ١٥٠] فيكونُ هذا مما نُسِخَ قبل العمل به؛ لأنه لم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابُه صلَّوا في سفرٍ ولا حضرٍ فريضةً إلى حيثما توجَّهوا. ونَسْخُها بقوله: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَام﴾ وهوأيضاً قولُ قتادة، وابنُ زيد، وهو مرويٌّ عن ابن عباس والحسن.
وللعلماء في هذه الآية خمسة أقوال غيرَ القول الذي ذكرنا:
الأول: قولُ مجاهد والضحاك: قالا: هي ناسخةٌ للصَّلاة إلى بيتالمقدس لأن اليهودَ أنكروا رجُوعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبةِ وتركَ بيتالمقدس، وقالوا: ﴿مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ التِى كَانُوا عَلَيْهَا﴾؟ [البقرة: ١٤٢] فأنزل الله:﴿قُلْ لِلَّهِ المَشْرِقُ والمغْرِبُ﴾ وأنزل تعالى: ﴿فأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّوجْهُ الله﴾ [البقرة: ١١٥] أي: فثمّ جِهةُ الله التي أمر بها.
وقيل: الذين أنكروا ذلك همُ العربُ الكفارُ، وهم السّفهاء.
الثاني: قول النخعي: قال: هي مخصوصةٌ محكمةٌ نزلت فيمن جَهِل القبلةَ له أن يُصَلِّي أينما تَوَجَّه ولا إعادةَ عليه. وعليه الإِعادةُ عند مالكوأصحابه في الوقت. وهو خارجٌ عن الأصول.
الثالث: قاله بعضُ أهل المعاني: قالوا هي محكمةٌ مخصوصةٌ في صلاةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي حينَ صلَّى عليه، واستقبل جِهَتَهُ إلى غيرِقبلة، فهي خصوصٌ للنبي - عليه السلام -.
الرابع: قاله بعضُ أهل المعاني، قالوا: الآيةُ مخصوصةٌ فيالدُّعاء، ومعناها: ادعوا كيف شِئْتُم مستقبلين القبلةَ وغيرَ مستقبلين، اللهيسمع ذلك كُلَّه.
الخامس: قيل إنها مخصوصةٌ في صلاةِ المسافر للنوافل على راحِلَته، يُصَلِّي أينما توجَّهت به راحِلَتُه، وهو جارٍ على مذهب مالكوأصحابه.