﴿ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً ﴾

قوله تعالى: ﴿يَا أيُّهَا الذين آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى﴾الآية.
حرّم الله في هذه الآية أن تُقْرَبَ الصَّلاةُ في حال سكر. فَفُهِمَ منالخطاب جوازُ السُّكْرِ في غير الصلاة. ومفهوم الخطاب كَنَصِّ القرآن يُعْمَلُ بهويقطع على مغيبه فَنَسَخَ ما أباح المفهومُ مِن الآية من جواز شُرْبِ المسكرفي غير الصَّلاة بتحريم المسكر. فالبيِّنُ في هذا أن يكونَ أُريدَ به السُّكْرُ مِنالمسكر قبل تحريمه، ثم نُسِخَ وحُرِّم.
وقد روى أبو مَيْسَرة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما نَزَلَتْ: ﴿لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأنتُمْ سُكارَى﴾ كان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصَّلاةَ نادى: لا يقربَنَّ الصَّلاةَ سكران.
وقد قال عكرمة: إن قوله: ﴿لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى﴾نسخه قولُه: ﴿يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواوُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] الآية. يريد أنه كان أُبيحَ لَهُم أن يُؤَخِّروا الصلاةَ في حالالسُّكْر حتى يزولَ السُّكر، إذ كانت الخمرُ غيرَ مُحَرَّمة، ثم نُسِخَ ذلك فأُمروابالصلاة على كل حال، ونُسِخَ شُرْبُ المسكر بقوله: ﴿فَهَلْ أَنتُم مُنتَهُونَ﴾ [المائدة: ٩١]، وبقوله: ﴿فاجْتَنِبُوه﴾ [المائدة: ٩١]، فنسخَ ما فُهِمَ مِن الخطاب بتحريمالخمر في قوله: ﴿فَهَلْ أَنتُم مُنتَهُون﴾. وهذا قولُ أَكثرِ العُلماء.
وقيل: الآيةُ مُحْكَمة، ومعنى السُّكْر فيها: السُّكْر من النوم لا من المسكر، وهو قول الضحاك وزيد بن أسلم. ويجب أن يكونَ المفهومَ منالخطاب على هذا القول (جوازُ قربانها) بسُكْر غير سُكْرِ النوم، ثم نُسِخَهذا المفهوم بتحريم المسكر والسُّكْر بقوله: ﴿فَهَلْ أَنتُم مُنتَهُون﴾.
ومن مفهوم الآية أيضاً جوازُ قرب الصَّلاة في غير حال السُّكْرِ جوازاًعاماً بغير شرط وضوء ولا غُسْل، فنسخ ذلك آيةُ الوضوء والغُسْلِ فيالمائدة، وصار الفرضُ المحكم أَلاَّ تُقْرَبَ الصَّلاةُ إلا في غير حال سكربوضوء وطُهر، ويجوز أن يكون ذلك بياناً (وتفسيراً لآية النساء)، وليسبنسخ المفهوم منها.



الصفحة التالية
Icon