﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾
قوله تعالى: ﴿وَمَن يَقْتُلُ مُؤْمِناً متعَمِّداً﴾ الآية:
قال أبو محمد: هذه الآية تحتاجُ إلى بسط يطول، وقد كنت أردتُأن أُفرد لها كتاباً مفرداً لكن أذكرُ في هذا الكتاب ما يليق به ويكتفى به عنغيره فأقول: إن القتل متعمداً من أعظم الذنوب وأجلِّ الكبائر. روي عنالنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من لقي الله ولم يشرك به شيئاً ولم يقتل نفساً مؤمنةلقي الله خفيف الظهر)، وروى أشهب أن مالكاً قال (إنه كان يقال): منلقي الله ولم يشرك في دم مسلم لقي الله وهو خفيف الظهر. والقتل ذنبعظيم، ليس بعد الشرك (ذنب) أعظمَ منه، وقد اختلف في التوبة منه، وفي معنى الآية (على ما) نذكرُهُ ونُبَيِّنُه. وهذه الآيةُ عندَ بعض العلماءناسخةٌ لِلَّتي في الفرقان [قوله تعالى: ﴿إلاَّ مَن تَابَ وآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً﴾ [الفرقان: ٧٠]، وهو مروي عن ابن عباس؛ لأن الفرقان] مكية والنساءمدنية، ورُوِيَ أن آيةَ سورة الفرقان نزلَت قبلَ آية النساء بستَّةِ أشهر - رواهزيد بن ثابت وغيره -.
قال أبو محمد: والنسخ في آية الفرقان لا يحسن لأنه خبر، والأخبار (لا تنسخ) بإجماع؛ لأن الخبر لو نسخ لكان قد أُتِيَ به على غير ما هو به من الصدق، ويتعالى الله عن ذلك عُلُوَّاً كبيراً، فالآيتانمحكمتان، وآيةُ النِّساء في القتل محمولة على أحد ثلاثة معانٍ قد قالهاالعلماء:
قال إبراهيم التيمي وغيرُه: معناها: فجزاؤه ذلك إن جازاه، وكذلكروى عاصم بن أبي النجود عن ابن جبير عن ابن عباس أنه قال: هو جزاؤهإن جازاه.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: للقاتل توبة.
وقد روى ابنُ سيرين عن أبي هريرة أن النبي - عليه السلام - قال فيالآية "هو جزاؤه إن جازاه".
وقد قال من اعتقد هذا: إن الله (إذا) وَعَد الحسنى وَفَى ولم يُخْلِف، وإذا وعد بالعذاب جازَ أَن يعفو.
ويشهدُ لهذا ما رواه ثابتٌ البنانيُّ عن أَنسٍ بن مالك أنرسول الله - صلى الله عليه وسلم - "مَنْ وَعَدَه اللهُ على عَمَلِه ثواباً فهو مُنْجِزُه له، ومن أوْعَدَه على عَمَلِه عقاباً فهو فيه بالخيار - من رواية ابن عايد -.
وهذا هو مذهبُ أَهلِ السُّنَّة في الوعد والوعيد. فهي محكمة. وهذا تأويلها عند جماعة من أهل العلم. فالمشيئة في القاتل عمداً إلى الله، إنشاء جازاه وإن شاء عفى عنه إذا تاب.
فأمّا من مات وهو مُصِرٌّ على استحلالِ القتل وفِعْلِه فهو بعيدٌ منالمغفرة؛ لأن من رأى أن ما حرَّم اللهُ حلال فهو كافر. وفي القاتل المتأَوِّلاختلاف.
والمعنى الثاني: أن يكون معنى الآية: ومن يقتل مؤمناً متعمداًمستحلاًّ لقتله، ولا يستحلُّ ما حرَّم الله إلا كافر، والكافر مخلَّد في الناربإجماع إذا مات على كفره.
والمعنى الثالث: أنه قيل: إنها نزلت في رجل بعينه من الأنصار قتلله وليٌّ فقبل الدِّيَة، ثم وثب فقتل القاتل بعد أخذه للدِّيَة وارتَدَّ - وهو قولمروي عن ابن جريج وغيره -.
وقد قيل: إنها نزلت في رجل أسلم، ثم ارتدَّ وقَتَلَ رجلاً مُسْلِماًمُسْتَحِلاًّ لقتله، وهو معنى القول الأول الذي قبله.