﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً ﴾
قوله تعالى: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أن تَقْصُروا مِنَ الصَّلاَةِ إنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾:
بيّن اللهُ - جلَّ ذكرُه - بهذا النص الظاهر أن الصلاة إنما تُقْصَرَ معالخوف من فتنة الكفار.
وتواترت الأخبارُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قصَر الصلاة في السَّفر من غير خوف. وبه قال أكثرُ العلماء.
(غير) أن بعضَهم قال: إن، هذه السنةَ المتواترةَ بقصر الصلاة فيالسفر (من غيرِ) خوفٍ ناسخةٌ لما في كتاب الله - عزّ وجلّ - من أن القصرَإنما يكون مع الخوف من فتنة الكفار.
والذي عليه أكثرُ العلماء: أن قصرَ (الصَّلاة) في الخوف بالقرآن، وقصرَ الصَّلاة في السفر من غير خوفٍ بالسنّة المتواترة. والسُّنَّةُ زيادةُ فائدةوتخفيف. والزيادة تُقْبَل ولا تنسخ شيئاً.
وإنما تكون هذه السُّنَّةُ ناسخةً لزوال حكم القصر (بالخوف) بها، وذلك لم يزل.
فالآية لا نسخَ فيها، لأنه لم يقل لا تُقْصَرُ الصَّلاةُ إلاَّ مع الخوف، فيكون قصرُ الصلاة في السفر من غير خوف ناسخاً لهذا النهي.
وقد قال قومٌ: إن قصَر الصَّلاة في الخوف والسفر من غير خوفٍبالقرآن، وتأَوَّلوا أَنَّ قولَه تعالى: ﴿وإذَا ضَرَبْتُم فِي الأَرضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْجُنَاحٌ أن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ﴾ [النساء: ١٠١] كلامٌ تامٌ جاء في إباحة القصر في السفرمن غير خوف. ثم ابتدأ بحكم آخر فقال: ﴿إنْ خِفْتُمْ أن يَفْتِنَكُمُ الّذِينَكَفَرُوا﴾ [النساء: ١٠١] إلى قوله: ﴿وإذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ﴾ [النساء: ١٠٢] - الآية - وأباحبهذه القصرَ في الخوف، وقولُه: ﴿إنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُواً مُبِيناً﴾- عندهم - اعتراضٌ بين حكمين يراد به التأخيرُ.
قال أبو محمد: وفي هذا القول بُعْدٌ لتقدير زيادة الواو التي في قوله: ﴿وَإذَا كُنتَ فِيهم﴾.
ولتقدير ما هو مقدَّمٌ في الكلام مؤخَّراً بلا دليل قاطع.
ولأن القَصْرَيْن مختلفان: قَصْرُ السَّفَر من غير خوف قصرٌ مِن عددالركوع لا تغييرَ فيه في الرتبة والهيأة. وقَصْرُ الخوف (قصرٌ) مِن عددالركوع بتغيير الرتبة والهيأة. والقرآنُ والسُّنَّةُ بيَّنا لنا ذَيْنِك وكيف هو.
وقد روى عن عمر وابن عمر وغيرهما. أن قصر الصَّلاة في السفر منغير (خوف) سنةُ رسول الله. وعليه أكثرُ العلماء.