﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ ﴾
قوله تعالى: ﴿فَإِن جَاؤوكَ فاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾:
خيّر الله - نبيّه - صلى الله عليه وسلم - في ظاهر هذه الآية في الحكم بين أهلالكتاب إذا أتوا لذلك، أو تركَه.
قال ابنُ عباس: هذا منسوخ بقوله: ﴿فاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ الله، وَلاَتَتَّبِعْ أهْوَاءَهُمْ﴾ [المائدة: ٤٨] - الآية -، وبقوله: ﴿وأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُم بِمَا أنزَلَ اللهُ، ولاَتَتَّبِعْ أهْواءَهُمْ واحذَرْهُمْ﴾ [المائدة: ٤٩]، فليس للإِمام ردّهم إلى حكامهم، إذا جاؤوا ليحكم بينهم إنما كان هذا في أول الإِسلام، ليكون ذلك أَدعى لهمإلى الدخول في الإِسلام، والألفة، وأقربَ إلى قلوبهم - وهو قول مجاهدوقتادة وعطاء الخراساني وعكرمة والزهري، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وبه قال الكوفيون، وهو أحد قولي الشافعي -.
وقال جماعة من العلماء: الآية محكمةٌ غيرُ منسوخة، والإِمام مُخَيَّرٌ فيالحكم وتركه إذا جاؤوه ليحكم بينهم - وهو قول عطاء (بن أبي رباح والحسن ومالك، وهو أحد قولي الشافعي وهو قول الشعبي والنخعي وأبيثور -.
ومعنى: ﴿وأن أحكم بينهم بما أنزل الله﴾ - على هذا القول -: إنشئتَ؛ لأنه قد تقدم لفظ التخيير له، فآخرُ الكلام حذف منه التخيير لدلالةالأول عليه، لأنه معطوفٌ عليه، فَحُكْمُه في التخيير كحكم المعطوف عليه، فهما شريكان، وليس الآخر بمنقطع مما قبله؛ إذ لا معنى لذلك ولا يصح، فلا بدّ من أن يكون قوله: ﴿وأن أحكم بينهم بما أنزل الله﴾ [المائدة: ٤٩] معطوفاً علىما قبله من قوله: ﴿وإنْ حَكَمْتَ فاحْكُم بَيْنَهُم بالقِسْط﴾ [المائدة: ٤٢] ومن قوله: ﴿فَإِن جَاؤوكَ فاحْكُم بَينَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [المائدة: ٤٢].
ومعنى: وأن احْكُم بينهم بما أنزل الله، أي: احكم (بينهم)(بذلك) إن حكمتَ واخْتَرْتَ الحكم، فهو كُلُّه مُحْكَمٌ غيرُ منسوخ، لأنالناسخ لا يكونُ مرتبطاً بالمنسوخ ومعطوفاً عليه، فالتخيير للنبي - عليهالسلام - في ذلك مُحْكَمٌ غيرُ منسوخ.