﴿ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ ﴾
قوله تعالى: ﴿يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُحِينَ الوَصِيَّةِ اثنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنكُمْ أو آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] الآية:
أكثر الناس على أن هذا محكمٌ غير منسوخ.
(واختلف القائلون بأنها محكمة) غيرُ منسوخة في معنى قوله:﴿مِنْ غَيْرِكُمْ﴾:
فقيل: هم أهل الكتاب: شهادتهم على الوصية خاصة في السفرجائزة عند فقد المسلمين للضرورة - وهو قول أبي موسى الأشعري، والشعبي، وابن سيرين، ومجاهد، وابن جبير، وابن المسيب، وشريح، والنخعي، والأوزاعي، وهو مروي عن ابن عباس وعائشة -.
وقيل: معنى ﴿مِنْ غَيْرِكُمْ﴾: من غير قبيلكُم يعني - منالمسلمين - وهو قول الحسن، و عكرمة، وأضافه بعض الرواة إلى مالكوالشافعي - فلا نسخ فيه على هذا. واستدلوا على ذلك بقوله: ﴿تحْبِسُونَهُمَامِن بَعْدِ الصَّلاة﴾ فدلّ على أنهما من أهل الصَّلاة. ولا يطلق على أهلالكتاب اسم: أهل الصلاة.
واختلف القائلون: إن معناه من أهل الكتاب.
وقال آخرون: الآية منسوخة ومعنى: من غيركم: من غير أهل ملتكم، فأجاز شهادةَ غير المسلمين (هاهنا)، ثم نسخه الله (بالأمر) بشهادةالعدول في قوله: ﴿ممّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وفي قوله:﴿وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ﴾ [الطلاق: ٢]، والكافر ليس بعدل ولا يرضى.
ويدل على أن معنى: ﴿مِنْ غَيْرِكُمْ﴾: من غير أهل دينكم: أنهتعالى استفتح الآية بقوله: ﴿يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنِكُمْ﴾، ثم قال: أوآخران من غيركم، ولا غير لأهل الإِيمان إلاّ أهل الكفر، ولو خاطب قبيله فيصدر الآية، لكان معنى ﴿مِنْ غَيْرِكُمْ﴾: من غير قبيلتكم.
وهذه الآية وما فيها من الحكم وما فيها من الإِعراب والمعانيوالقراءات من أشكل آية في القرآن، وهي تحتاج إلى بسط يطول، لكنّاذكرنا من ذلك ونذكرُ ما نحتاج إليه في هذا الكتاب. وقد بسطناها في كتاب مفرد يشرحها.
﴿ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ ﴾
قوله تعالى: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ﴾ الآيتان إلى قوله:﴿لَشَهَادتُنَا أحقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا﴾:
أَوجبَ الله - جلّ ذكره - على الشاهديْن على الوصية القابضيْنِ لتركهالميت في السفر اليمينَ إن ارتبنا أنهما غابا على شيء من التركةوخانا، فإذا حلفا بعدَ الصلاة، ثم اطُّلِعَ على خيانة منهما في التركة، حلف وليَّان وارثان من أولياءِ الميت على ما يدَّعيان قِبَل الشاهدين، ويقولان في آخر يمينهما: ليميننا أحق من يمينهما، وهو قوله: ﴿لَشَهَادَتناأحَقّ مِن شَهَادَتِهِمَا﴾ ثم يستحقان ما حلفا عليه.
هذا معنى الحكم المتلوّ في الآيتين.
ونُبَيِّنُ ذلك الاختلاف في معنى قوله: ﴿أو آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾.
فمن قال: معنى ﴿مِن غيرِكُمْ﴾: أي: من أهل الكتاب - وهو منسوخبقوله: ﴿ممّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء﴾، وبقوله: ﴿وأشهِدُوا ذَوَيْ عدلٍمِنكُمْ﴾ - قال: هذه الأحكامُ كُلُّها منسوخةٌ بما نسخ به جوازُ شهادة أهلالكتاب - وهو قول زيدِ بن أسلم ومالك والشافعي وأبي حنيفة -.
ومن قال: معنى من غيركم: من أهل الكتاب - وهو غير منسوخ، وشهادة أهل الكتاب في السفر في الوصية خاصة جائزة للضرورة - قال: القصة كُلُّها مُحْكَمة معمول بها - وهو قول ابن عباس وعائشة وأبي موسىالأشعري وابن جبير وابن المسيب وابن سيرين والشعبي والثوري وغيرهم -.
ومن قال: معنى ﴿مِنْ غَيْرِكُمْ﴾: من غير قبيلتكم - من المؤمنين -قال: القصة كلها محكمةٌ معمول بها - وهو قول الزهري والحسن وعكرمةوأضافه بعض الناس إلى مالك والشافعي -.
والصلاة - في هذه الآية -: صلاة العصر، ففي هذه القصة وأحكامهاثلاثة أقوال على ما فسَّرنا.
وقد زاد النحاس فيها قول من قال: الشهادة في الآية بمعنى: الحضور. وقول من قال: الشهادة بمعنى: "اليمين"، ولا معنى يتحصل لهذين القولين.