وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ﴾ فَيُقَالُ: أَيُّ ارْتِبَاطٍ بَيْنَهُمَا؟ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ وَهُوَ ﴿مَنْ﴾ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ تُتْرَكُ عِبَادَتُهُ أَوْ مُعَادِلُ الْهَمْزَةِ تَقْدِيرُهُ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ كَمَنْ لَيْسَ بِقَائِمٍ وَوَجْهُ الْعَطْفِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَاضِحٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَعْنَى أَتَتْرُكُ عِبَادَةَ مَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ وَلَمْ يَكْفِ التَّرْكُ حَتَّى جَعَلُوا لَهُ شُرَكَاءَ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَالْمَعْنَى إِذَا انْتَفَتِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فَكَيْفَ تَجْعَلُونَ لِغَيْرِ الْمُسَاوِي حُكْمَ الْمُسَاوِي!
وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إبراهيم﴾ إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أو كالذي مر على قرية﴾ عَطَفَ قِصَّةً عَلَى قِصَّةٍ مَعَ أَنَّ شَرْطَ الْعَطْفِ الْمُشَاكَلَةُ فَلَا يَحْسُنُ فِي نَظِيرِ الْآيَةِ ﴿ألم تر إلى ربك﴾ ﴿أو كالذي﴾
وَوَجْهُ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُشَابَهَةِ أَنَّ ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ بِمَنْزِلَةِ هَلْ رَأَيْتَ كَالَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِنَّمَا كَانَتْ بِمَنْزِلَتِهَا لِأَنَّ ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ مُرَكَّبَةٌ مِنْ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَحَرْفِ النَّفْيِ وَلِذَلِكَ يُجَابُ بِبَلَى وَالِاسْتِفْهَامُ يُعْطِي النَّفْيَ إِذْ حَقِيقَةُ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ غَيْرُ ثَابِتَةٍ عِنْدَ الْمُسْتَفْهِمِ وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ حَرْفُ الِاسْتِفْهَامِ مَكَانَ حَرْفِ النَّفْيِ وَنَفْيُ النَّفْيِ إِيجَابٌ فَصَارَ بِمَثَابَةِ رَأَيْتَ غَيْرَ أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِهِ الِاسْتِفْهَامُ وَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُؤْتَى بِحَرْفِهِ لِوُجُودِهِ فِي اللَّفْظِ فَلِذَلِكَ أَعْطَى مَعْنَى هَلْ رَأَيْتَ فَإِنْ قُلْتَ مِنْ أَيْنَ جَاءَتْ إلى ورأيت يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ؟ أُجِيبُ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى تَنْظُرُ
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَلَّا تَكُونَ مَعْطُوفَةً فَلَا بُدَّ مِنْ دِعَامَةٍ تُؤْذِنُ بِاتِّصَالِ الْكَلَامِ وَهِيَ قَرَائِنُ مَعْنَوِيَّةٌ مُؤْذِنَةٌ بِالرَّبْطِ وَالْأَوَّلُ مَزْجٌ لَفْظِيٌّ وَهَذَا مَزْجٌ مَعْنَوِيٌّ تَنْزِلُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْأُولَى مَنْزِلَةَ جُزْئِهَا الثَّانِي وَلَهُ أَسْبَابٌ