أَحَدُهَا زِيَادَةُ حَرْفٍ لِأَجْلِهَا وَلِهَذَا أُلْحِقَتِ الْأَلِفُ بِـ (الظُّنُونِ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظنونا﴾ لِأَنَّ مَقَاطِعَ فَوَاصِلِ هَذِهِ السُّورَةِ أَلِفَاتٌ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ تَنْوِينٍ فِي الْوَقْفِ فَزِيدَ عَلَى النُّونِ ألف لِتُسَاوِيَ الْمَقَاطِعَ وَتُنَاسِبَ نِهَايَاتِ الْفَوَاصِلِ وَمِثْلُهُ: ﴿فَأَضَلُّونَا السبيلا﴾، ﴿وأطعنا الرسولا﴾
وَأَنْكَرَ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ ذَلِكَ وَقَالَ لَمْ تُزَدِ الْأَلِفُ لِتَنَاسُبِ رُءُوسِ الْآيِ كَمَا قَالَ قَوْمٌ لِأَنَّ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ: ﴿وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وهو يهدي السبيل﴾ وفيها: ﴿فأضلونا السبيلا﴾. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا رَأْسُ آيَةٍ وَثَبَتَتِ الْأَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى غَيْرِ تِلْكَ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَلَوْ كَانَ لِتَنَاسُبِ رُءُوسِ الآي لثبت من الجميع
قال: وَإِنَّمَا زِيدَتِ الْأَلِفُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْقِسْمَيْنِ وَاسْتِوَاءِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى غَيْرِ تِلْكَ وَكَذَلِكَ لِحَاقُ هَاءِ السَّكْتِ في قوله: ﴿ما هيه﴾ فِي سُورَةِ الْقَارِعَةِ هَذِهِ الْهَاءُ عَدَّلَتْ مَقَاطِعَ الْفَوَاصِلِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَكَانَ لِلَحَاقِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تَأْثِيرٌ عَظِيمٌ فِي الْفَصَاحَةِ
وَعَلَى هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ-يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ لِحَاقُ النون في المواضع التي قد تَكَلَّمُ فِي لِحَاقِ النُّونِ إِيَّاهَا نَحْوِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وكل في فلك يسبحون﴾ وقوله تعالى: ﴿كونوا قردة خاسئين﴾ فَإِنَّ مِنْ مَآخِذِ الْفَصَاحَةِ وَمَذَاهِبِهَا أَنْ يَكُونَ وُرُودُ هَذِهِ النُّونِ فِي مَقَاطِعِ هَذِهِ الْأَنْحَاءِ لِلْآيِ رَاجِحَ الْأَصَالَةِ فِي الْفَصَاحَةِ لِتَكُونَ فَوَاصِلُ السُّوَرِ الْوَارِدِ فِيهَا ذَلِكَ قَدِ اسْتُوثِقَ فِيمَا قَبْلَ حُرُوفِهَا الْمُتَطَرِّفَةِ وُقُوعُ حَرْفَيِ الْمَدِّ وَاللِّينِ