وَالثَّانِي: مَا يُسْتَنْبَطُ مَعَ ضَمِيمَةِ آيَةٍ أُخْرَى، كَاسْتِنْبَاطِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أَقَلَّ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وحمله وفصاله ثلاثون شهرا﴾ مع قوله: ﴿وفصاله في عامين﴾ ؛ وَعَلَيْهِ جَرَى الشَّافِعِيُّ وَاحْتَجَّ بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الرِّضَاعَ سَنَتَانِ وَنِصْفٌ ثَلَاثُونَ شَهْرًا.
وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ لِشَيْئَيْنِ مُدَّةً وَاحِدَةً فَانْصَرَفَتِ الْمُدَّةُ بِكَمَالِهَا إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَلَمَّا قَامَ النَّصُّ فِي أَحَدِهِمَا بقي الثاني على أصله، ومثل ذلك بالأجل الواحد للدينين، فَإِنَّهُ مَضْرُوبٌ بِكَمَالِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَيْضًا فإنه لابد مِنِ اعْتِبَارِ مُدَّةٍ يَبْقَى فِيهَا الْإِنْسَانُ بِحَيْثُ يتغير الغذاء، فَاعْتُبِرَتْ مُدَّةً يَعْتَادُ الصَّبِيُّ فِيهَا غِذَاءً طَبِيعِيًّا غَيْرَ اللَّبَنِ، وَمُدَّةُ الْحَمْلِ قَصِيرَةٌ، فَقُدِّمَتِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْحَوْلَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ فِي مقام الامتنان ذِكْرَ الْأَكْثَرِ الْمُعْتَادِ، لَا الْأَقَلِّ النَّادِرِ كَمَا فِي جَانِبِ الْفِصَالِ.
قُلْنَا: لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَلَمَّا كَانَ الْوَلَدُ لَا يَعِيشُ غَالِبًا إِذَا وُضِعَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، كَانَتْ مَشَقَّةُ الْحَمْلِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ مَوْجُودَةً لَا مَحَالَةَ فِي حَقِّ كُلِّ مُخَاطَبٍ، فَكَانَ ذِكْرُهُ أَدْخَلَ فِي بَابِ الْمُنَاسَبَةِ، بِخِلَافِ الْفِصَالِ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ لِجَانِبِ الْقِلَّةِ فِيهِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَعِيشَ الْوَلَدُ بِدُونِ ارْتِضَاعٍ مِنَ الْأُمِّ؛ وَلِهَذَا اعْتُبِرَ فِيهِ الْأَكْثَرُ، لِأَنَّهُ الْغَالِبُ، وَلِأَنَّهُ اخْتِيَارِيٌّ؛ كَأَنَّهُ قِيلَ: حَمَلَتْهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لَا مَحَالَةَ إِنْ لَمْ تَحْمِلْهُ أَكْثَرَ.
وَمِثْلُهُ اسْتِنْبَاطُ الأصوليين أن تارك الأمر يستحق العقاب من قوله تعالى: ﴿أفعصيت أمري﴾ مَعَ قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ له نار جهنم﴾، وكذلك