وَقَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ الزَّمْلَكَانِيُّ: وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ مَنْسُوخًا نَظَرٌ وَقَوْلُهُ: ﴿مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ هُوَ ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ إِذْ بِهِ أَمَرَ فَإِنَّ ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ الْوُقُوفُ عَلَى أَمْرِهِ وَدِينِهِ وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنَيِّرِ فِي تَفْسِيرِهِ ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ لَمْ يَثْبُتْ مَرْفُوعًا بَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ ابن مسعود رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَلَيْسَ فِيهِ قَوْلُ الصَّحَابَةِ: "أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ" وَنُزُولُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ ألا تعدلوا فواحدة﴾ مَعَ قَوْلِهِ فِي أَوَاخِرِ السُّورَةِ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم﴾ فَالْأُولَى تُفْهِمُ إِمْكَانَ الْعَدْلِ وَالثَّانِيَةُ تَنْفِيهِ
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ فِي الْأُولَى الْعَدْلُ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ فِي تَوْفِيَةِ حُقُوقِهِنَّ وَهَذَا مُمْكِنُ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ الْمَيْلُ الْقَلْبِيُّ فَالْإِنْسَانُ لَا يَمْلِكُ مَيْلَ قَلْبِهِ إِلَى بَعْضِ زَوْجَاتِهِ دُونَ بَعْضٍ وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِي مَا أَمْلِكُ فَلَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا لَا أَمْلِكُ" يَعْنِي مَيْلَ الْقَلْبِ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: "اللَّهُ قَلْبِي فَلَا أَمْلِكُهُ وَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَأَرْجُو أَنْ أَعْدِلَ"
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعَدْلِ فِي الثَّانِيَةِ الْعَدْلَ التَّامَّ أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ عَطِيَّةَ وَقَدْ يَحْتَاجُ الِاخْتِلَافُ إِلَى تَقْدِيرٍ فَيَرْتَفِعُ بِهِ الْإِشْكَالُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي