السَّابِعُ: الْحَذْفُ الْمُقَابَلِيُّ: وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي الكلام متقابلان، فيحدف مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَابَلَةً لِدَلَالَةِ الْآخَرِ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ﴾، الْأَصْلُ فَإِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنْتُمْ بُرَآءٌ مِنْهُ وَعَلَيْكُمْ إِجْرَامُكُمْ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ فَنِسْبَةُ قَوْلِهِ تَعَالَى: [إِجْرَامِي] وَهُوَ الْأَوَّلُ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَيْكُمْ إِجْرَامُكُمْ﴾ - وَهُوَ الثَّالِثُ - كَنِسْبَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْتُمْ بُرَآءٌ مِنْهُ﴾ - وَهُوَ الثَّانِي - إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَيْكُمْ إِجْرَامُكُمْ﴾ - وَهُوَ الثَّالِثُ -كَنِسْبَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْتُمْ بُرَآءٌ مِنْهُ﴾ - وَهُوَ الثَّانِي - إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وأنا برىء مما تجرمون﴾، وَهُوَ الرَّابِعُ، وَاكْتَفَى مِنْ كُلِّ مُتَنَاسِبَيْنِ بِأَحَدِهِمَا.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأولون﴾، تَقْدِيرُهُ: إِنْ أُرْسِلَ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ فَأَتَوْا بِآيَةٍ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إن شاء أو يتوب عليهم﴾، تَقْدِيرُهُ كَمَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ:" وَيُعَذِّبُ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ فَلَا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ أَوْ يَتُوبُ عَلَيْهِمْ فَلَا يُعَذِّبُهُمْ "، عِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ مُطْلَقُ قَوْلِهِ: فَلَا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ أَوْ يَتُوبُ عَلَيْهِمْ مُقَيَّدًا بِمُدَّةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله﴾، فَتَقْدِيرُهُ: لَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ وَيَطَّهَّرْنَ فَإِذَا طَهُرْنَ وَتَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ وَهُوَ قَوْلٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ نِسْبَةُ الْأَوَّلِ إِلَى الثَّالِثِ كَنِسْبَةِ الثَّانِي إِلَى الرَّابِعِ وَيُحْذَفُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِدَلَالَةِ الْآخَرِ عَلَيْهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ دَلَالَةَ السِّيَاقِ قَاطِعَةٌ بِهَذِهِ الْمَحْذُوفَاتِ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يُعْتَضَدُ الْقَوْلُ بِالْمَنْعِ مِنْ وَطْءِ الْحَائِضِ إِلَّا بَعْدَ الطُّهْرِ وَالتَّطَهُّرِ جَمِيعًا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.