إِنْ كَانَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي تَصْدِيرُهُ عَلَى الْفَصَاحَةِ فَافْعَلُوا فِي قِصَّةِ يُوسُفَ مَا فَعَلْتُ في قصص سائر الأنبيا.
السُّؤَالُ الثَّانِي: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَكَرَ قِصَّةَ قَوْمِ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَشُعَيْبٍ وَلُوطٍ وَمُوسَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَهُودٍ وَالشُّعَرَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُمْ قِصَّةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَرْيَمَ وَالْعَنْكَبُوتِ وَالصَّافَّاتِ.
وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ تِلْكَ السُّوَرَ الْأُوَلَ ذَكَرَ اللَّهُ فِيهَا نَصْرَ رُسُلِهِ بِإِهْلَاكِ قَوْمِهِمْ وَنِجَاءِ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ وَهَذِهِ السُّوَرُ لَمْ يَقْتَصِرْ فِيهَا عَلَى ذِكْرِ مَنْ أَهْلَكَ مِنَ الْأُمَمِ بَلْ كَانَ الْمَقْصُودُ ذِكْرَ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ قَوْمُهُمْ وَلِهَذَا سُمِّيتْ سُورَةَ الْأَنْبِيَاءِ فَذَكَرَ فِيهَا إِكْرَامَهُ لِلْأَنْبِيَاءِ وبدأ بِقِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ كَانَ الْمَقْصُودُ ذِكْرَ كَرَامَتِهِ الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمُ أَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ وَهُوَ أَبُ أَكْثَرِهِمْ وَلَيْسَ هُوَ أَبُ نُوحٍ وَلُوطٍ لَكِنْ لُوطٌ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَأَيُّوبُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى في سورةالأنعام: ﴿ومن ذريته داود وسليمان وأيوب﴾.
وَأَمَّا سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَكَرَ فيها امتحانه للمؤمنين نصره لَهُمْ وَحَاجَتَهُمْ إِلَى الْجِهَادِ وَذَكَرَ فِيهَا حُسْنَ الْعَاقِبَةِ لِمَنْ صَبَرَ وَعَاقِبَةَ مَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَذَكَرَ قِصَّةَ إِبْرَاهِيمَ لِأَنَّهَا مِنَ النَّمَطِ الْأَوَّلِ.
وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ قَالَ فِيهَا: ﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ. وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ منذرين. فانظر كيف كان عاقبة المنذرين﴾، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا عَاقِبَةٌ رَدِيئَةٌ، إِمَّا بِكَوْنِهِمْ غُلِبُوا وَذُلُّوا وَإِمَّا بِكَوْنِهِمْ أُهْلِكُوا وَلِهَذَا ذَكَرَ قِصَّةَ إِلْيَاسَ دُونَ غَيْرِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ إِهْلَاكَ قومه بل قال: ﴿فكذبوه فإنهم لمحضرون﴾.