فَإِذَا قُلْتَ: قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا فَكَأَنَّهُ كَانَ فِي جُمْلَتِهِمْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ﴾، فَإِنَّ فِيهِ مَعْنًى زَائِدًا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ هُوَ تَعْظِيمُ أَمْرِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي أَتَى بِهَا إِبْلِيسُ مِنْ كَوْنِهِ خَرَقَ إِجْمَاعَ الْمَلَائِكَةِ وَفَارَقَ جَمِيعَ الْمَلَأِ الْأَعْلَى بِخُرُوجِهِ مِمَّا دَخَلُوا فِيهِ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ وَهُوَ بِمَثَابَةِ قَوْلِكَ أَمَرَ الْمَلِكُ بِكَذَا فَأَطَاعَ أَمْرَهُ جَمِيعُ النَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ وَوَزِيرٍ إِلَّا فُلَانًا فَإِنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ مَعْصِيَةِ الملك بهذا الصِّيغَةِ أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِكَ: أَمَرَ الْمَلِكُ فَعَصَاهُ فُلَانٌ.
وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ وُصِفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْعَدْلِ فِيمَا ضَرَبَهُ عَلَى إِبْلِيسَ مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَخَتَمَ عَلَيْهِ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاما﴾ فَإِنَّ فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْمُدَّةِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ تَهْوِيلًا عَلَى السَّامِعِ لِيَشْهَدَ عُذْرَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الدُّعَاءِ عَلَى قَوْمِهِ.
وَحِكْمَةُ الْإِخْبَارِ عَنِ الْمُدَّةِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ تَعْظِيمٌ لِلْمُدَّةِ لِيَكُونَ أَوَّلُ مَا يُبَاشِرُ السَّمْعَ ذِكْرُ [الْأَلْفِ] وَاخْتِصَارُ اللَّفْظِ فَإِنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ أَخْصَرُ مِنْ [تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ عَامًا] وَلِأَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ يُفِيدُ حَصْرَ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ وَلَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا النَّقْصَ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شاء ربك﴾ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ وَصْفَ الشَّقَاءِ يَعُمُّ الْمُؤْمِنَ الْعَاصِيَ وَالْكَافِرَ اسْتَثْنَى مَنْ حَكَمَ بِخُلُودِهِ فِي النَّارِ بِلَفْظٍ مُطْمِعٍ حَيْثُ أَثْبَتَ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُطْلَقَ، وَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾، أَيْ أَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فِي إِخْرَاجِ أَهْلِ الشَّقَاءِ مِنَ النَّارِ. وَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ السَّعَادَةِ لَا خُرُوجَ لَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ أَكَّدَ خُلُودَهُمْ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَا يَرْفَعُ أَصْلَ الِاسْتِثْنَاءَ حَيْثُ قَالَ {عَطَاءً غَيْرَ


الصفحة التالية
Icon